الموريسكيون (بالإسبانية: Moriscos) هم المسلمون الذين أُجبروا على اعتناق المسيحية في إسبانيا بعد سقوط آخر الممالك الإسلامية (مملكة غرناطة) عام 1492. وعاشوا تحت حكم الممالك المسيحية في ظل ظروف قاسية، قبل أن يتم طردهم نهائيًا من إسبانيا في بداية القرن السابع عشر.

 

أصل التسمية

كلمة “موريسك” مشتقة من الكلمة الإسبانية “Moro” (أي “مورو”)، والتي كانت تطلق على المسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية. أضيفت إليها اللاحقة “-isco” للدلالة على أنهم مسلمون مُتنصِّرون أو مُستعربون.

 

خلفية الموريسكيون التاريخية

بعد سقوط مملكة غرناطة عام 1492، وقع آخر ملوك غرناطة أبو عبد الله الصغير معاهدة استسلام مع الملكين الكاثوليكيين (فرناندو الثاني وإيزابيلا الأولى). وضمنت المعاهدة للمسلمين حرية ممارسة دينهم وحفظ ممتلكاتهم وقوانينهم. حيث وعد الملكان بحماية حقوق المسلمين في الدين والممارسات الثقافية. لكن الوعود سرعان ما نُكثت.

وفي عام 1499، بدأ الكاردينال فرانثيسكو خيمينيث دي ثيسنيروس حملة تنصير قسرية، مستخدمًا الترهيب ومصادرة الممتلكات لإجبار المسلمين على اعتناق المسيحية. وأصدرت الملكية الإسبانية سلسلة من المراسيم التي هدفت إلى طمس الهوية الإسلامية للموريسكيين، منها:

منع ممارسة الإسلام علنًا، وتحويل المساجد إلى كنائس.

فرض التعميد القسري على الأطفال، ومنع الختان.

حظر استخدام اللغة العربية في الكتابة والمحادثة، وإحراق الكتب الإسلامية.

منع الأسماء العربية وإجبار الموريسكيين على تبني أسماء مسيحية.

حظر الزي الإسلامي والأغاني والعادات التراثية.

فرض ضرائب باهظة على الموريسكيين بحجة أنهم غير موالين للتاج الإسباني.

مصادرة الأراضي الخصبة منهم ومنحها للنبلاء المسيحيين.

تقييد عملهم في المهن المربحة، وإجبارهم على أعمال السخرة.

مراقبة الموريسكيين عبر محاكم التفتيش، والتي كانت تعذب وتعدم من يثبت تمسكه بالإسلام سرًا.

ومحاكم التفتيش أسستها إسبانيا بعد سقوط غرناطة، لضمان التزام الموريسكيين بالمسيحية. وكانت الكنيسة الكاثوليكية تدير هذه المحاكم بموافقة الملكية الإسبانية، وهدفت إلى القضاء على أي ممارسات إسلامية سرية. وتعرض الموريسكيون على أيديهم للتعذيب، والمحاكمات الجائرة، والمصادرة، بل والإعدام حرقًا في حال ثبوت تمسكهم بالإسلام. وسجّلت محاضر محاكم التفتيش آلاف الضحايا، مما زاد من معاناة المجتمع الموريسكي قبل طرده النهائي عام 1609م.

 

مقاومة الموريسكيين

رغم القوانين الصارمة، حاول الموريسكيون الحفاظ على إسلامهم سرًا عبر:

ممارسة الصلاة والصوم في الخفاء.

تعليم الأطفال القرآن في السر.

استخدام لغة “الخميادو” (العربية مكتوبة بحروف لاتينية) لتدوين تراثهم.

وفي نهاية المطاف قاموا بثورة البشرات (1568–1571)، والتي تعرف أيضًا بحرب الموريسكيين أو تمرد غرناطة. كانت الثورة واحدة من أبرز الانتفاضات التي قادها الموريسكيون في مملكة غرناطة ضد الحكم الإسباني المسيحي. واندلعت الثورة سياسات القمع الديني والثقافي والاقتصادي التي مارستها السلطات الإسبانية.

وفي ليلة عيد الميلاد عام 1568، أعلن الموريسكيون التمرد بقيادة فرج بن فرج، المعروف باسم “ابن أمية”، والذي نصب نفسه ملكًا على غرناطة كرمز لاستعادة المجد الإسلامي. وانضم إليه آلاف الموريسكيين، وسيطروا على قرى جبال البشرات، مستغلين وعورة المنطقة.

نجح الموريسكيون في السيطرة على عدة قرى مثل بورتاغو وأوخيار، وحاصروا مدينة غرناطة لكنهم فشلوا في اقتحامها بسبب تحصيناتها القوية. كما تدخل الملك فيليب الثاني وأرسل جيشًا كبيرًا بقيادة خوان النمساوي (ابن الإمبراطور شارلكان) لقمع التمرد. واستخدم الجيش الإسباني سياسة الأرض المحروقة، حيث دمّر القرى الموريسكية وذبح السكان دون تمييز.

وانتهت الثورة بقمع دموي كان بداية النهاية للموريسكيين في إسبانيا. ونُقل أكثر من 80 ألف موريسكي من غرناطة إلى مناطق أخرى في إسبانيا لتفريقهم. كما اُغتيل ابن أمية عام 1569، وخلفه ابن عبو، لكنه فشل في توحيد الصفوف. وبحلول عام 1571، سحق الجيش الإسباني التمرد تمامًا، واتبع سياسات وحشية منها:

إعدام المئات علنًا، وبيع الكثيرين كعبيد.

تدمير القرى الموريسكية وإعادة توطينها بمسيحيين من الشمال.

 

الطرد النهائي لـ ( الموريسكيون) من الأندلس

أصدر الملك فيليب الثالث، مرسوم الطرد النهائي للموريسكيين بين 1609 و1614. وتم ترحيل ما بين 300 إلى 500 ألف شخص، مات كثيرون منهم في الطريق بسبب الجوع أو القرصنة..

ووجد هؤلاء المنفيون ملاذًا في أراضي الدولة العثمانية وشمال إفريقيا. حيث استقبلتهم مناطق مثل المغرب والجزائر وتونس وليبيا بحكم الروابط الدينية والثقافية. بينما شجعت الدولة العثمانية استيطانهم في مناطق البلقان والأناضول لتعزيز الاقتصاد والعسكرة. وحمل الموريسكيون معهم مهاراتهم في الزراعة والصناعات الحرفية، فأثروا في الاقتصاد المحلي. لكنهم عانوا من صعوبة الاندماج الكامل بسبب اختلاف اللهجات والعادات.

 

 

اقرأ أيضًا: معركة صفين

 

 

 

المصادر:

أنطونيو دومينغيث أورتيث:

برنارد فنسنت: تاريخ الموريسكيين: من التنصير إلى الطرد.

طارق سويدان: المورسكيون الأندلسيون وصراع الهوية.

دراسات أكاديمية من جامعة غرناطة حول الأرشيفات التاريخية للموريسكيين.

أرشيف محاكم التفتيش الإسبانية ووثائق من جامعة غرناطة.

وثائق محاكم التفتيش في الأرشيف الوطني الإسباني.

محمد بن عبود: الوجود الأندلسي في المغرب العثماني.

أرشيف رئاسة الوزراء العثماني، الهجرة الموريسكية إلى الدولة العثمانية.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات