موسى بن نصير قائد عسكري ووالي شمال أفريقيا للوليد بن عبد الملك، وفاتح الأندلس مع طارق بن زياد. إنه شيخ المجاهدين وأحد القادة العظام الذين لهم الفضل في زيادة رقعة الدولة الإسلامية، وانتشار الإسلام حتى المغرب العربي وبلاد الأندلس. وعلى الرغم من بطولاته التي سجلها التاريخ، لكن كانت نهايته حزينة، فعزله سليمان بن عبد الملك من وظيفته، وابتعد عن ساحة الأحداث حتى آخر حياته.
نسبه
اختلف المؤرخون في نسب موسى بن نصير، فقيل اسمه موسى بن نصير بن عبد الرحمن بن زيد. وقيل أن أباه من موالي قبيلة لخم، والأرجح أنه من صلبها. وقال بعض العلماء أن والد موسى كان على حرس معاوية بن أبي سفيان عندما كان والي الشام في عهد عمر وعثمان. ثم أصبح وصيفًا لعبد العزيز بن مروان فأعتقه.
بينما ذكر آخرون أنه ينسب إلى قبيلة بني بكر بن وائل، وأن خالد بن الوليد أسر أباه سنة 12 من الهجرة في موقعة عين التمر. وقيل أن موسى بن نصير ولد في الخليل شمال فلسطين عام 19 من الهجرة، في خلافة عمر بن الخطاب.
بداية ظهوره على مسرح الأحداث
نشأ موسى بن نصير بالقرب من قادة الدولة الأموية، وأصحاب الرأي والسياسة، فتهيأت له الفرصة ليكون من كبار القادة. وكانت أول بطولاته في عهد معاوية بن أبي سفيان، عندما وجهه على حملة لإعادة غزوة قبرص، فبنى فيها الحصون وتولى إدارتها. وفي سنة 53 هـ، كان أحد القادة الذين خرجوا لفتح جزيرة رودس وحققوا نصرًا عظيمًا.
وكان موسى بن نصير أيضًا ضمن الجيش الذي خرج لاستعادة مصر تحت سيطرة الدولة الأموية في عهد مروان بن عبد الملك سنة 65 هـ. وبعد أن غادر مروان إلى دمشق، عين على مصر ابنه عبد العزيز، وكان موسى بمثابة وزيرًا له.
ازدادت خبرة موسى وحنكته في السياسة وأمور الحكم، ومدحه عبد العزيز بن مروان عند أخيه الخليفة عبد الملك بن مروان، فحصل على حفاوته وتكريمه . ثم عينه عبد العزيز بن مروان على شمال أفريقيا بدلًا من حسان بن النعمان.
فتوحات موسى بن نصير في شمال أفريقيا
بعد رحيل حسان بن النعمان عن شمال أفريقيا، تزعزع الأمن وقام البربر بالعديد من الغارات على المسلمين. فجهز موسى جيشًا قويًا وانطلق في اتجاه الغرب، واستطاع هزيمة البربر الذين تمردوا. ولما وصل إلى القيروان صلى فيها وخطب في جنوده قائلًا “وايم الله! لا أُريد هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى يضع الله أرفعها، ويذلَّ أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جميعها، أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين”.
ثم نشر جيوشه في شرق وشمال المغرب، ففتحوا كل الحصون والقلاع، وأخضعوا كل القبائل. ثم انطلق بجيشه إلى طنجة والتي كان يحكمها القائد الرومي يوليان، فحاصرها حصارًا شديدًا وفتحها. واهتم موسى بنشر الإسلام بين البربر، وحكم بالعدل ولم يفرق بينهم وبين العرب، فأحبه الناس وأسلم منهم الكثير وانضموا له.
ثم أرسل موسى إلى صديقه عبد العزيز بن مروان يبشره بالفتح والغنائم، ففرح وكافئه على انتصاراته.
فتح جزر البحر المتوسط
أمر موسى بن نصير ببناء ترسانة بحرية في تونس، وجهز أسطولًا بحريًا بعد أن صنع له صناع المراكب 100 مركب. ثم وضع ابنه عبد الله على رأس الأسطول ووجهه إلى جزيرة صقلية، حتى يتخلص من خطر البيزنطيين على الثغور والسواحل الإسلامية.
دخل عبد الله صقلية برفقة 1000 من الجنود وفتحها، وغنم منها غنائم كثيرة، حتى وصل نصيب كل جندي 100 دينار من الذهب. وبعد فترة أرسل موسى بن نصير أحد قادته وكان اسمه عياش بن أخيل، إلى صقلية مرة ثانية، ففتح مدينة سرقوسة.
وفي سنة 89 هـ، فتح جزيرة سردينيا. وفي نفس العام أرسل قوة عسكرية بقيادة ابنه عبد الله إلى جزيرتي مَيُورْقَة ومَنُورقَة ففتحهما. وكانت هاتين الجزيرتين بين شواطئ الأندلس وصقلية.
فتوحات الأندلس
نجح موسى بن نصير في فرض سيطرته على بلاد المغرب، وأخذ يفكر في وجهة غزوٍ جديدة. وخلال ذلك وصلته رسالة من طارق بن زياد والي طنجة، يخبره بغزو الأندلس، وأن يوليان حاكم سبته سيقدم المساعدة للمسلمين، وسيوفر لهم السفن التي يعبرون بها.
أرسل موسى إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك في دمشق يستشيره في الأمر. فطلب منه الوليد أن يرسل السرايا قبل الجيوش ويستطلع الأمر، حتى لا يعرض الجنود لأهوال البحر. نفذ موسى النصيحة وأرسل حملة استطلاعية من 100 فارس و400 رجل بقيادة طريف بن مالك. خرجت الحملة على 4 مراكب، وحققت نصرًا مبشرًا ورجعت بالغنائم.
وفي رجب سنة 92 من الهجرة، جهز جيشًا من 7 آلاف جندي بقيادة طارق بن زياد ووصل بهم إلى سبته. ثم عبر الجيش المضيق إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، وعرف المضيق لاحقًا بمضيق جبل طارق.
خاض طارق عدة معارك، ونجح في فتح الجزيرة الخضراء. ثم استغاث أحد حكام المقاطعات الجنوبية بالإمبراطور لذريق، وقال له “أيها الملك، إنه قد نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء أم من الأرض، فالنجدة.. النجدة، والعودة على عجل”.
ولما علم طارق بقدوم لذريق أرسل إلى موسى بن نصير يطلب المدد، فأمده بـ5 آلاف بقيادة طريف بن مالك. كان عدد المسلمين 12 ألف فقط، بينما كان جيش لذريق 100 ألف جندي. اشتبك الطرفان في معركة عنيفة استمرت 7 أيام، عُرِفت بمعركة وادي لكة، وكان ذلك في 28 رمضان سنة 92 هـ. وكان النصر في النهاية حليفًا للمسلمين.
بعد هذه المعركة استكمل طارق فتوحاته في الأندلس، وقسم جيشه وظل يفتح مدينة وراء أخرى. ثم جاء موسى بن نصير بجيش من القيروان بعد أن ترك عليها ابنه عبد الله، وسلك طريقًا آخر داخل الأندلس، وظل يفتح المدن حتى التقى بجيش طارق.
عودة موسى بن نصير إلى دمشق
بينما كان موسى بن نصير يعمل على فتح جليقية، ومنهمكًا في فتح شمال الجزيرة الأيبيرية بعدما فتح جنوبها ووسطها، وصلته رسالة من الخليفة يأمره فيها بالعودة. وهنا توقفت الفتوحات وعاد موسى بن نصير وبرفقته طارق بن زياد إلى دمشق. استقبله الوليد بن عبد الملك وهو مريضًا وأحسن استقبال وأكرمه بعدما رأى موكب الغنائم والأسرى.
وخلال 40 يومًا مات الوليد، وتسلم العرش أخيه سليمان بن عبد الملك، الذي اضطهد موسى بن نصير وعاقبه لخلاف بينهما. ذكر البعض أن سبب الخلاف، أن سليمان طلب من موسى ألا يدخل دمشق حتى يموت الوليد وقد كان على فراش الموت. لكنه استكمل طريقه ولم ينصت له، وقدم تقريرًا بالفتح للوليد قبل موته.
وفاة موسى بن نصير
قيل أن سليمان طلب موسى، فلما جاءه تركه واقفًا في الشمس حتى سقط مغشيًا عليه، وكان عمره 80 عامًا. ثم قال له موسى “أما والله يا أمير المؤمنين ما هذا بلائي ولا قدر جزائي”. وعاش موسى باقي أيامه في عزلة داخل دمشق بعيدًا عن الأحداث.
ثم ندم سليمان بما فعله به، وقال “ما ندمتُ على شيء ندمي على ما فعلته بموسى”. وأراد أن يكفر عن ذنبه، فأخذه معه للحج سنة 97 أو 99 من الهجرة، لكنه مات في الطريق.
المصادر:
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
البلاذري: فتوح البلدان.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
الزركلي: الأعلام.
ابن كثير: البداية والنهاية.
موقع قصة الإسلام: موسى بن نصير.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق