كانت نتائج معركة اليرموك عظيمة على الدولة الإسلامية، فكانت أول انتصار كبير يحققه المسلمون ضد أقوى امبراطورية في ذلك الوقت، وهي الإمبراطورية البيزنطية. فبعدما تعرض الإسلام لضربة قوية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتداد القبائل العربية، استطاع أبو بكر السيطرة على الوضع. ثم بدأ عصر جديد من الفتوحات، حيث زادت مساحة الدولة الإسلامية، على حساب الفرس والروم، وسيطرت على العراق والشام.
متى وقعت معركة اليرموك؟
اختلف العلماء في العام الذي قعت فيه معركة اليرموك. فهناك من قال أنها وقعت في السنة الخامسة عشر من الهجرة، في عهد عمر بن الخطاب، ومنهم الواقدي، وابن عساكر، وابن إسحاق. وهناك من قال أنها وقعت في السنة الثالثة عشر في عهد أبي بكر الصديق، ومنهم الطبري.
سبب معركة اليرموك
كان خالد بن سعيد بن العاص، يعسكر بجيشه في أرض تيماء، وأمره أبو بكر ألا يترك البلدة، وألا يقاتل إلا من يبادر إليه بالقتال. ولما علم ملك الروم هرقل، جهز جيشَا مكونًا من العرب التابعين له، من قبائل كلب، وغسان، وبهراء، وغيرهم. ثم اشتبك معهم خالد بن سعيد، قبل أن يصل إليه عكرمة بن أبي جهل بالمدد. واستدرجه ماهان قائد الروم، حتى وصل إلى مرج الصفر شرق بحيرة طبرية، ونجح في هزيمته. ثم هرب خالد بكتيبة من أصحابه، وسحب عكرمة باقي الجيش إلى حدود الشام.
لذلك دعا أبو بكر الصديق الناس إلى الجهاد، فنادى بلال بن رباح “أن أنفروا إلى جهاد عدوكم بالشام”. كما أرسل إلى أهل اليمن فجاؤوا بأعداد هائلة للمشاركة. ثم عقد أبو بكر أربعة ألوية، على كل لواء أمير، ثم أمرهم أن يسلكوا طرقًا متفرقة.
جيوش أبو بكر إلى الشام
قسم أبو بكر الصديق الجيش إلى أربعة أقسام، وسلم كل قسم إلى قائد، وأمره أن يدخل الشام من جهة مختلفة عن القائد الآخر، كالتالي:
جيش يزيد من أبي سفيان: وكانت مهمته فتح دمشق، وتقديم المساعدة إلى باقي الجيوش عند الضرورة. وكان أول الجيوش التي وصلت إلى الشام، بعدد 3 آلاف مقاتل، ثم أرسل إليه أبو بكر المدد، فصار معه 7 آلاف رجل. وخرج هذا الجيش في 23 رجب سنة 12 من الهجرة.
جيش شرحبيل بن حسنة: كان مكونًا من 3 آلاف أو 4 آلاف مقاتل، وكان طريقه إلى تبوك والبلقاء ثم بصرى. صار شرحبيل بالجيش ولم يجد أي مقاومة في طريقه، وتوغل في البلقاء حتى وصل بصرى، لكنها كانت محصنة فلم يستطع فتحها.
جيش أبي عبيدة بن الجراح: كان مكونًا أيضًا من حوالي 4 آلاف رجلًا، وكان طريقه إلى حمص. خرج من المدينة وعبر وادي القرى إلى الجابية. وكان معه قيس بن هبيرة بن مسعود المرادي، وهو أحد أشهر فرسان العرب.
جيش عمرو بن العاص: وكانت جهته إلى فلسطين، ومكونًا من 7 آلاف مقاتل تقريبًا. أرسل عمرو بن العاص في اتجاه الروم قوة استطلاعية من 1000 مقاتل بقيادة عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقاتلوهم وانتصروا عليهم. كما أسروا بعض الجنود، فعلم منهم عمرو بن العاص بخطة الروم للهجوم عليهم، فصدهم. ثم شنَّ هجوم مضاد عليهم، فقتل الآلاف منهم وهربوا من أرض المعركة.
أحداث ما قبل المعركة
عندما علم امبراطور الروم بتوغل المسلمين داخل أراضيه، أصدر أوامره للجيوش البيزنطية بالخروج والهجوم عليهم وتدميرهم. كما أرسل قادة المسلمين المتواجدون بالشام إلى أبي بكر واستغاثوا به، فأمدهم بأعداد أخرى، من الرجال والخيل والسلاح. فأرسل هاشم بن أبي عتبة بن أبي وقاص إلى أبي عبيدة بن الجراح. وأرسل سعيد بن عامر إلى يزيد بن أبي سفيان.
كما قرر قادة المسلمين في الشام تجميع قواتهم والالتقاء في اليرموك لقتال الروم. فانسحب أبو عبيدة من حمص، وشرحبيل من الأردن، ويزيد من دمشق، وعمرو بن العاص انسحب تدريجيًا من فلسطين.
ثم أرسل أبو بكر خالد بن الوليد من العراق إلى الشام، ليتسلم قيادة الجيوش، لأنه يتمتع بقدرة وحنكة عسكرية فائقة. وبعد سير 5 أيام في الصحراء، وصل خالد بجيشه إلى الشام، وفتح في طريقه ( أدك، تدمر، القريتين)، ثم نشر رايته في ثنية العقاب. وسار في طريقه حتى وصل بصرى، فوجد الصحابة يقاتلون أهلها، فانضم إليهم وحصل عليها بالصلح.
انسحب عمرو بن العاص على طول ضفة نهر الأردن، ليلتحق بالجيوش الأخرى. وقرر خالد بن الوليد الالتحاق بجيش عمرو، للقضاء على قوة الروم، وحماية خط الرجوع، وتثبيت وجود المسلمين في فلسطين. انسحب خالد من اليرموك إلى سهل فلسطين، وأمر عمرو بن العاص باستدراج جيش الروم حتى يصل إليه، فيكونوا قد وقعوا في كمين بينهما.
وصل عمرو إلى أجنادين، ثم وصله خالد بجيشه في الوقت المناسب، فصارت قوة المسلمين 30 ألفًا. اصطدم عمرو بقوات الروم، ثم انقض عليهم خالد بجيشه الكبير، وجرت بينهم معركة عنيفة. لعب خالد بن الوليد وعمرو بن العاص دورًا مهمًا، وأظهرا مدى مهارتهما كقائدين عسكريين، فاقتحموا قوات الروم، ووصلوا للقائد وقتلوه. ثم تفرقت القوات الرومية في جهات مختلفة، وانتصر المسلمون في أجنادين.
عدد الجيشين
اختلف المؤرخون في القادة وعدد القوة العسكرية للروم على أقوال كثيرة. والأشهر أن عددهم كان 240 ألف مقاتل، وكانت متمركزة بفلسطين وأنطاكيا. وشملت القوة البيزنطية أجناس متعددة من الروم والفرنجة والروس والسلاف والإغريق والأرمن والعرب النصارى. وتم توزيعهم على 5 جيوش متساوية العدد، وتسلم القيادة: فاهان ملك أرمينيا، وقناطير أمير روسي، وجبلة بن الأيهم ملك الغساسنة، وريجوري وديرجان على رأس جيشين أوربيين.
أما عدد الجيش الإسلامي، فكان تقريبًا 36 ألف مقاتل، وهناك من قال 46 ألف. وكان مكونًا من الألوية الأربعة وجيش خالد بن سعيد المتواجد في تيماء، وجيش خالد بن الوليد القادم من العراق.
تنظيم صفوف المسلمين
بعد أجنادين، تجمعت قوات المسلمين في اليرموك، بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد. ثم وصلت قوات الروم، ونزلوا في مكان واسع، لكن طريق الهرب منه ضيق، فصار خندقًا عليهم.
ولعب ذكاء خالد بن الوليد وحنكته العسكرية دورًا كبير في انتصار المسلمين. حيث قسم الجيش إلى عدة أقسام، كالتالي:
ميمنة الجيش، وجعل عليها عمرو بن العاص، ومعه شرحبيل بن حسنة.
ميسرة الجيش، وجعل عليه يزيد بن أبي سفيان.
قلب الجيش، وجعل عليه أبو عبيدة بن الجراح ومعه القعقاع بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل.
مقدمة الجيش، وجعل عليها قباث بن الأشيم.
مؤخرة الجيش، وجعل عليها سعيد بن زهير ومعه 500 فارس.
أحداث معركة اليرموك
وقعت المعركة في وادي اليرموك على مدار 5 أيام متتالية، كان النصر فيها حليفًا للمسلمين. لكن في بداية القتال كانت الغلبة للروم، فهجمت قواتهم على ميمنة المسلمين، ونجحوا في كشف قلب الجيش الإسلامي، وإحداث ثغرة فيه. ثم تسللوا في صفوف المسلمين حتى وصلوا إلى المؤخرة. ورغم ثبات المسلمين، لكن نجح الروم في الانقضاض على الميمنة، ثم الميسرة، بشكل شديد. فانكشف قلب الجيش الإسلامي من اليسار كما انكشف من اليمين. وهنا فرَّ بعض الجنود من أرض المعركة، وتبعهم الروم داخل المعسكر.
لما رأت نساء المسلمين الرجال يفرون، رموهم بالحجارة، وصاحوا فيهم، فعادوا إلى القتال من جديد، وقتلوا من الروم عدد كبير. لكن ظل الروم يضغطون، فهجمت ميمنهم على ميسرة المسلمين، وانقضوا على عمرو بن العاص وجنوده. وتمكنوا مرة ثانية من التغلغل إلى أعماق معسكر المسلمين.
لكن استعاد المسلمون عزيمتهم، وانقض خالد بن الوليد على ميسرة الروم، فقتل منهم 6 آلاف. ثم قامت ميمنة المسلمين في إغلاق الثغرات والمنافذ في وجه الروم، وحاصروهم بين نهر الزرقاء ووادي اليرموك. كما استطاعوا فصل مشاة الروم عن فرسانهم، وهجموا عليهم حتى أنهكوهم، فحاولت قوات الروم إيجاد ثغرة للهرب. أمر خالد بفتح المجال لهرب الفرسان، ثم تجمع المشاة بالخنادق وهم مقيدون بالسلاسل، فإذا قتل واحد منهم سحب معه 7 آخرين مقيدون بنفس السلسة.
شهداء المسلمون في اليرموك
وصل عدد القتلى في جيش الروم إلى 120 ألف، منهم 80 ألفًا قتلوا بالسلاسل، و40 ألفًا سقطوا في الوادي. بينما استشهد من المسلمين في معركة اليرموك، 3 آلاف شهيد.
نتائج معركة اليرموك
كانت هناك عدة نتائج لمعركة اليرموك، كالتالي:
استشهاد عدد من الصحابة الكبار، مثل عكرمة بن أبي جهل وابنه، أبان بن سعيد، عمرو بن سعيد، وسلمة بن هشام.
هزيمة الروم وكسر شوكتهم، وبدء سيطرة المسلمين على بلاد الشام، ثم فتح بيت المقدس لاحقًا.
توسع رقعة الدولة الإسلامية، وزيادة هيبتها، وبدء تكوين دولة كبيرة تهيمن على مساحة شاسعة لعقود طويلة.
المصادر:
البلاذري ص140، 141.
الواقدي: ج1 ص160 وما بعدها.
الطبري: ج3 ص394-401.
الأزدي: ص84-87، 152-231.
بن كثير: البداية والنهاية.
موقع موضوع “متى كانت معركة اليرموك؟”.
موقع قصة الإسلام “معركة اليرموك”.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *