كانت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، مصيبة وقعت على المسلمين جميعًا. لقد تعرضوا  لصدمة كبيرة لوفاة النبي، وامتلأت شوارع المدينة بالبكاء والحزن على رحيله. ورغم أنه سيد البشر وخاتم النبيين، لكن كان له عمر محدد ككل أبناء آدم، قال تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}.

وبعد انتهاء التشريع في حجة الوداع أدى النبي أمانته كاملة وبلغ رسالته قبل وفاته. وكان صلى الله عليه وسلم، اختار لقاء الله وجنته على خلود الدنيا، حيث قال “إنّي خيّرت بين خزائن الأرض والخلد فيها وبين لقاء ربي والجنة، فاخترت الجنة”.

 

مرض الرسول قبل وفاته

وفقًا لتفسير بن عباس، فكان نزول سورة النصر إخبار للنبي بقرب أجله. المقصود بقوله {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فتح مكة، وقوله {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} فذلك علامةُ وفاة النبي. وقبل مرض الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر أسامة بن زيد بالخروج لقتال الروم.

ذات ليلة خرج النبي إلى زيارة البقيع  واستغفر لأهلها، ثم عاد إلى بيته. وفي الصباح شعر صلى الله عليه وسلم بصداع شديد، وحمى، وكان يغمى عليه في اليوم الواحدة مرات عديد. وخلال مرضه كان يتنقل بين زوجاته، وبينما كان عند السيدة ميمونة، قال ” أين أنا؟”، ففهمت زوجاته أنه يريد الذهاب لعائشة، فأذنَّ له بذلك.

انتقل النبي إلى بيت عائشة وهو يستند على علي بن أبي طالب والفضل بن العباس. ظل صلى الله عليه وسلم مريضًا 14 يومًا، وكان يخرج للصلاة، حتى كان آخر ثلاثة أيام، لم يستطع الخروج.

 

خطبة النبي قبل وفاته

في أحد أيام مرض النبي تحامل على نفسه ودخل المسجد وخطب بالناس وقال “عبدٌ خيّره الله بين أن يؤتيَه زهرةَ الدنيا وبين ما عنده، فاختارَ ما عنده”، ففهم أبو بكر وبكى وقال “فديناك بآبائنا وأمّهاتنا”. قال النبي “إنّ أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً، لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلاً، ولكن إخوة الإسلام. لا تبقينَّ في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر”. ثم دعا صلى الله عليه وسلم، إلى خروج جيش أسامة بن زيد، وأوصى المسلمين بالأنصار خيرًا. لكن عاد جيش أسامة بسبب مرض النبي.

 

صلاة أبو بكر بالناس قبل وفاة الرسول

في آخر أيام النبي اشتد عليه المرض، ولما جاء وقت العشاء، سأل عائشة “أصلى الناس”، فقالت عائشة: لا. قال صلى الله عليه وسلم “مرو أبا بكر فليصل بالناس”. لم يكن أبا بكر بالمدينة، فصلى عمر بن الخطاب بالناس فسمعه النبي وقال “أين أبو بكر؟”. بدأ أبو بكر يصلي بالناس في صباح اليوم التالي لمدة 3 أيام، حتى توفى النبي.

يقول أنس بن مالك أن النبي خرج للناس وهم يصلون وراء أبو بكر يوم وفاته، فظن أن النبي خارج للصلاة ونكص على عقبيه ليصل الصف. لكن النبي أشار إليهم باستكمال الصلاة وأرخى الستار وعاد إلى حجرة عائشة، ولم تأت عليه صلاة أخرى.

 

دخول فاطمة على النبي عند احتضاره

في ضحى يوم وفاة النبي، دخلت عليه ابنته السيدة فاطمة الزهراء. فقد ورد أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كنا أزواج النبي عنده جميعًا، فلم تغادر منا واحدة، فأقبلت السيدة فاطمة تمشي، فقال لها النبي “مرحبًا بابنتي”. ثم جلست بجواره، فأخبرها سرًا، فبكت بكاءً شديدًا، فلما رأى حزنها، أخبرها سرًا مرة ثانية، فضحكت. فقالت لها السيدة عائشة، خصك رسول الله من بيننا بالسر، ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله سألتها، فقالت رضي الله عنها ” ما كنت أفشي على رسول الله سره”.

ولما توفى رسول الله سألتها عائشة مرة ثانية وقالت لها “عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني”. فأخبرتها فاطمة رضي الله عنها وقالت: عندما سرني في الأمر الأول أخبرني “أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك”. قالت السيدة فاطمة: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارنَّي الثانية، قال “يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة”.

وفي رواية أخرى أن السيدة فاطمة رضي الله عنها قالت “سرَّني النبي وأخبرني  أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه، فبكيت، ثم سرَّني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه، فضحكت”.

فرحت فاطمة لأنها ستلتقي قريبًا بأحبتها أبيها وأمها وإخوتها جميعًا في الجنة. لكنها كانت ترى ألم أبيها ومعاناته، فقالت “واكرب أبتاه”، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” ليس على أبيك كرب بعد اليوم”.

 

وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

يقول أنس بن مالك، كانت آخر وصية للرسول حين حضره الموت، “الصَّلاةَ الصَّلاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ”. فكانت آخر دقائق في حياة النبي وهو يحتضر يوصي المسلمين بالصلاة والعبيد.

دخل عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق على النبي يوم وفاته وبيده سواك، فنظر إليه، ففهمت عائشة أن النبي يريد السواك. فقالت له: أخذه لك؟، فأشار إليها بنعم. كان السواك جاف واشتد على النبي، فقالت عائشة “ألينه لك؟”، فأشار النبي بنعم، فلينته له.

وقالت عائشة رضي الله عنها “من فضل الله عليَّ أن توفي رسول الله وهو في بيتي، وفي يومي بين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه قبل موته”.

وعندما كان يحتضر النبي كان يردد “اللهم أعني على سكرات الموت”.

ولما نزل ملك الموت للنبي ورآه، كانت رأسه على فخذي عائشة، فغشي عليه ساعة، ثم عاد إلى وعيه، وظل ينظر إلى السقف. ثم قال “اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى، ثم مالت يده، وقبضت روحه”.

 

هل مات رسول الله مسمومًا؟

كان الألم شديدًا على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر بن مسعود وغيره أن النبي مات مسمومًا.  وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي قال لها خلال مرضه “مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ”. يقصد الشاة المسمومة التي قدمتها له اليهودية، التي أكل منها صلى الله عليه وسلم لقمة ثم لفظها.

أثر هذا السم على عرق الأبهر المتصل بالقلب، حيث قال “فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِ”. وظل السم في جسد النبي ثلاث سنوات حتى أتم رسالته، وآمن أهل الجزيرة، وأتم الله عليه الفتوحات.

 

كم عمر الرسول عند وفاته؟

كان عمر الرسول عند وفاته 63 سنة، مات يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11 من الهجرة، في حجرة عائشة رضي الله عنها. دخل عليه أبو بكر مسرعًا وقال “بأبي أنت وأمي، طبت حيًا وميتًا”. ثم خرج ووجد الصحابة يبكون فقال “ألا من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإنّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”.

 

تغسيل الرسول ودفنه

بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، قام أهل بيته بتحضيره وتغسيله يوم الثلاثاء. غسله علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب وأبنائه الفضل وقثم، وأسامة بن زيد، ومولى النبي شقران. غسله الصحابة في ثيابه، ثم حفروا حفرة تحت فراشه في حجرة عائشة. وبدأ الناس يدخلون للصلاة عليه، فدخل الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان، ولم يؤم المصلين أحد.

أنزله القبر العباس وابنيه قثم والفضل وعلي بن أبي طالب، ثم رش عليه بلال الماء. وكان قبر النبي صلى الله عليه وسلم يرتفع عن الأرض شبرًا واحدًا. وتم دفنه صلى الله عليه وسلم في منتصف ليل الأربعاء.

 

المصادر:

الزركلي: الأعلام.

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

البلاذري: أنساب الأشراف.

ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب.

ابن كثير: البداية والنهاية.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

سيرة ابن هشام.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

موقع قصة الإسلام: وفاة الرسول وأثره على أصحابه.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات