كانت وقعة الحرة بين أهل المدينة المنورة وبين جيش يزيد بن معاوية عام 63 من الهجرة. حيث اقتحم الجيش الأموي مدينة رسول الله، واستشهد عدد كبير من الصحابة وأبنائهم. وكان لهذه الواقعة الكثير من المقدمات السياسية والاجتماعية التي فجرت الأمور بين أهل الحجاز من جهة بين بني أمية وأهل الشام من جهة أخرى.

 

أسباب وقعة الحرة

كانت هناك الكثير من الأحداث والمقدمات التي أدت إلى اشتعال الموقف بين الحجازيين والأمويين، وترتب عليها خلع أهل المدينة ليزيد وطردهم لعامله عثمان بن محمد بن أبي سفيان، كالتالي:

ولاية عهد يزيد

تفاقم الخلاف بين أهل الحجاز وبني أمية بعدما أعطى معاوية بن أبي سفيان ولاية العهد لابنه يزيد، مغيرًا بذلك طريقة الحكم الراشدي، ومستحدثًا نظام حكم وراثي غير معهود في الدولة الإسلامية. وعلى الرغم أن معاوية كان غرضه عدم تفرقة المسلمين من بعده، وحرصه على عدم تعرض الأمة لفتنة جديدة، لكن رأى الكثير من أبناء الصحابة أن معاوية لم يلتزم ببنود الصلح مع الحسن بن علي عندما تنازل له عن الخلافة. حيث اشترط الحسن أن يعود أمر اختيار الخليفة شورى بين المسلمين بعد وفاة معاوية.

لكن بعد وفاة الحسن، رأى معاوية أن ابنه يزيد هو الأصلح لحكم الدولة الإسلامية، فقد أعده جيدًا حتى أصبح متمرسًا في أمور السياسة والحكم. وأخذ له البيعة من كبار الصحابة وأبنائهم بموافقتهم المحضة وليس بالتهديد كما تناقل البعض.

استشهاد الحسين بن علي

لم يوافق الحسين بن علي على بيعة يزيد، وكان يريد الالتزام بمعاهدة أخيه مع معاوية. وظل أهل الكوفة خلفه حتى أقنعوه بالخروج إليهم. وعندما تأكد أنهم بالفعل يرغبون في مبايعته، خرج إلى الكوفة.

ولما علم بعض الصحابة والتابعين بخروجه، نصحوه بعدم الذهاب وأخبروه أن أهل العراق أهل غدر.  وكان من المعارضين لخروجه، عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وأخيه محمد بن الحنفية، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو سعيد الخدري.

لكن الحسين أصرَّ وذهب إلى الكوفة مع أهل بيته في يوم التروية سنة 60 هـ. وفي صباح الجمعة 10 محرم سنة 61 هـ، اشتبك الحسين مع جيش أرسله إليه والي الكوفة. واستشهد في نهاية المعركة ومعه عدد كبير من أهل بيته، وقُطِعت رأسه الشريفة.

وعندما علم يزيد بمقتل الحسين بكى بكاءً شديدًا هو وأهل بيته، وقال “قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، ورحم الله الحسين”. ثم أكرم أهل بيت الحسين وردهم بشكل يليق بهم إلى المدينة المنورة.

 

التزام كبار الصحابة ببيعة يزيد

بعد سماع أهل المدينة خبر استشهاد الحسين، خلعوا يزيد بن معاوية وطردوا عامله على المدينة، وبايعوا عبد الله بن حنظلة، ثم حاصروا بني أمية في دار مروان بن الحكم وكانوا 1000 شخص.

وكان هناك عدد من أبناء الصحابة الذين امتنعوا عن الخروج على يزيد ورأوا أن في ذلك خيانة للعهد وخروج على الحاكم، وهذا دليل على شرعية خلافة يزيد. ومنهم عبد الله بن عمر، ومحمد بن الحنفية ( بن علي بن أبي طالب)، والصحابي الجليل النعمان بن بشير، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وكان ابن عمر أول الصحابة الذين تمسكوا ببيعة يزيد، وامتنع عن المشاركة في الخروج عليه ومنع أهل بيته من ذلك. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “يُنصَب لكل غادر لواء يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله”.

أما محمد بن الحنفية فلم يستجب لأهل المدينة، ودافع عن يزيد ونفى التهم عنه. فعندما عاد وفد المدينة من دمشق، ذهب عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية، ليقنعوه بخلع يزيد.

فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدى حكم الكتاب. فقال ابن الحنفية لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظبًا على الصلاة، متحريًا للخير، يسأل عن الفقه، ملازمًا للسنة. فقالوا: فإن ذلك كان منه تصنعًا لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رَجَا حتى يظهر لي الخشوع، وأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لا تعلمون. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه.

وظلوا يحاولون اقناع ابن الحنفية بالقتال معهم أو انضمام أبنائه إليهم، لكنه أبى ذلك. ولما سمع بقرب وصول جيش يزيد خرج إلى مكة المكرمة، ونهج آل بيت النبي نهجه والتزموا الطاعة، ولم ينضموا لأهل المدينة في الخروج على يزيد. حتى أن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أيضًا التزم بالطاعة ولم يخرج على يزيد.

 

أحداث المعركة

أرسل يزيد النعمان بن بشير إلى أهل المدينة يحذرهم من الفتنة ويذكرهم الطاعة لكنهم أبوا. وهنا لم يجد يزيد أمامه سوى إرسال جيش إلى المدينة بقيادة مسلم بن عقبة المري، وجعل الأمر من بعده للحصين بن نمير السكوني.

وخلال طريقه إلى المدينة التقى مسلم ببني أمية في وادي القرى بعدما أخرجهم أهل المدينة. ولما وصل أعطاهم مهلة 3 أيام، لكنهم تمسكوا بالقتال. وكان على أهل المدينة عبد الله بن مطيع، وعبد الله بن حنظلة، وعبد الرحمن بن زهير بن عوف. ودخل مسلم عن طريق الحرة الشرقية، واشتبك مع أهل المدينة في أواخر ذي الحجة سنة 63 من الهجرة. وقُتِل عدد كبير من كبار المدينة في وقعة الحرة.

 

شبهات حول وقعة الحرة

يقول الواقدي أنه قُتِل 10 آلاف شخص في موقعة الحرة بينهم أطفال ونساء، لكن هذه الرواية منكرة أنكرها ابن تيمية وقال باستحالة هذا العدد. كما ذكرت أخبار عن استباحة ونهب بيوت المدينة المنورة كاملة لمدة 3 أيام، وأن أهل الشام نتفوا لحية أبا سعيد الخدري انتقامًا منه. وهذه كلها أخبار غير صحيحة، فلم نسمع مثلًا أن ابن عمر انتهبت داره، أو علي بن الحسين أو غيرهم ممن لم ينضموا إلى الخارجين على الحكم الأموي. بل كانت النهب في أماكن المعارضين فقط. ذكر البعض أيضًا أنه تم انتهاك أعراض النساء في موقعة الحرة. ويرد على ذلك الدكتور علي محمد الصلابي، أن هذه الأخبار غير صحيحة وأنها روايات متأخرة تناقلها أعداء بني أمية. وهدفها إظهار جيش الشام بأنه جيش بربري لا يستند إلى عقيدة دينية أو أخلاقية. وهذا اتهام خطير لأنه اتهام للجيش الإسلامي الذي فتح أصقاع الأرض. كما أن الباحثين المعاصرين نفوا كل هذه الأخبار تمامًا وأثبتوا بطلانها.

 

حصار مكة وحرق الكعبة

بعد وقعة الحرة، استمر الجيش بقيادة مسلم بن عقبة المري في طريقه إلى مكة حيث يوجد عبد الله بن الزبير وأتباعه. لكنه توفي في الطريق، فاستلم قيادة الجيش الأموي الحصين بن نمير السكوني. نشر الحصين جيشه في مكة لمدة شهر بدون قتال. وفي منتصف صفر اشتعلت الحرب بين الطرفين، وسيطر الحصين على كل مكة باستثناء المسجد الحرام.

ثم ثبت المنجنيق على جبلي قعيقعان وأبي قبيس، وكان ابن الزبير ومن معه ينامون في الخيام حول الكعبة. وفي ليلة الحريق كانت الرياح قوية فنشبت في الخيام وامتدت إلى الكعبة ولم يستطيعوا السيطرة عليها. وهنا توقف القتال وتعرض الطرفين لصدمة كبيرة، فقال رجل من أهل الشام، “هلك الفريقان والذي نفس محمد بيده”.

أما ابن الزبير فسجد ودعا الله “اللهم إني لم أتعمد ما جرى، فلا تهلك عبادك بذنبي، وهذه ناصيتي بين يديك”. وتوفي يزيد بن معاوية قبل حرق الكعبة بخمسة أيام، ولما وصلهم خبر موته توقفوا عن القتال.

 

 

 

 

المصادر:

ابن كثير: البداية والنهاية.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

موقع قصة الإسلام: وقعة الحرة وموت يزيد.

 

 

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات