كانت ولاية العهد ليزيد بن معاوية شيئًا جديدًا على الأمة الإسلامية في ذلك الوقت. فقد كان الخلفاء الراشدون لا يعينون أبنائهم من بعدهم، وكان يجتمع أهل الحل والعقد أو أصحاب الشورى لاختيار الخليفة الجديد. وكان الخليفة يتم اختياره من بين الصحابة الكبار ويجتمع عليه المسلمون جميعًا. لكن معاوية بن أبي سفيان غير شكل الحكم الإسلامي بطريقة جذرية، وجعله وراثي بعد أن أعلن ابنه يزيد وليًا للعهد. وبذلك تكون الدولة الإسلامية تحولت إلى دولة ملكية. وقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، حيث قال “أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة”.
ولاية العهد ليزيد بن معاوية
لم يكن معاوية يفكر في تسليم الحكم لابنه يزيد في بداية الأمر. والتزم ببنود الصلح بينه وبين الحسن بن علي رضي الله عنه، بعدما تنازل له عن الخلافة في عام الجماعة سنة 41 من الهجرة. وكانت الشروط تتضمن أن يحكم معاوية بما نص عليه كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخلفاء الراشدين، وألا يعهد بالحكم لورثته ويعود الأمر شورى بين المسلمين.
ورشح معاوية بن أبي سفيان في بداية خلافته 6 أسماء لتولي الخلافة من بعده: الحسن بن علي، سعيد بن العاص، مروان بن الحكم، عبد الله بن عمر، عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عامر. ولم يكن ابنه يزيد من بينهم، وكان حكمه يتسم بالعدل والرحمة، فأحبه المسلمون وارتضوا حكمه.
لكن بعد وفاة الحسن بن علي وجد أن ابنه يزيد الأحق بالخلافة نظرًا لتمرسه في السياسة والحكم، وأيضًا لأن أهل الشام يفضلون بني أمية ولا يقبلون بخليفة غير أموي.
وكان هدف معاوية من تولية ابنه يزيد للعهد هو عدم تفرق المسلمين من بعده واجتماعهم على رجل واحد. فكان يقول “إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع”.
كما كان يدعوا الله ألا يكون تعيينه لابنه حبه له وليس مصلحة المسلمين. حيث قال “اللهم إن كنت تعلم أني وليته لأنه فيما أراه أهل لذلك فأتمم له ما وليته، وإن كنت تعلم أني وليته لأني أحبه فلا تتمم له ما وليته”.
إعلان ولاية العهد
صعد معاوية على المنبر في دمشق وأعلن أنه اختار ابنه يزيد خليفة من بعده، فرضى به أهل دمشق. ثم أرسل للبلدان والمدن الإسلامية، فجاءته الوفود من الشام والبصرة والمدينة سنة 51 من الهجرة. قبل الجميع بولاية يزيد ما عدا وفد أهل المدينة المنورة، فأرسل معاوية لمروان بن الحكم عامله عليها أن يأخذ البيعة منهم ليزيد.
خطب مروان في أهل المدينة وحثهم على الطاعة واجتناب الفتنة. وشبه بيعة يزيد بعهد أبي بكر لعمر بن الخطاب، فأوقفه عبد الرحمن بن أبي بكر ورفض أن يكون الأمران متشابهان، وانفض عنه الناس. ثم أرسل معاوية زياد بن أبيه لكن ظل أهل المدينة على موقفهم.
روايات حول أخذ معاوية البيعة ليزيد
وتوجد عدة روايات تاريخية رائجة حول أخذ معاوية البيعة لابنه يزيد، ويقول العلماء أنها كاذبة. منها أن معاوية قرر الذهاب إلى المدينة بنفسه خلال رحلته إلى مكة لأداء فريضة الحج عام 56 من الهجرة، وكان معه يزيد و1000 فارس من أهل الشام. وأنه أجبر المعارضين على بيعة يزيد تحت تهديد السلاح.
وقيل قابلهم خارج المدينة وسبهم وعنفهم، فذهبوا إلى مكة، ولما التقى بالسيدة عائشة أوصته بالرفق بهم، فعاملهم برفق ولين. ثم طلبوا منه أن يترك أمر المسلمين لغير ذي قرابة، أو يجعل الأمر شورى بين المسلمين، فأنذرهم معاوية ونشر حرسه في المسجد الحرام وشدد عليهم حتى أخذ البيعة منهم مخافة القتل.
وقيل أن معاوية التقى بكل واحد منهم بشكل منفرد وأخذ البيعة منه، فتحدث مع ابن عمر وحصل منه على موافقة مبدئية في حال وافق جميع الناس عليه. وقال له بن عمر نصًا “أما بعد، فإنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك خيرًا منهم… وإنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمرٍ فإنما أنا واحد منهم”.
ثم تحدث إلى عبد الرحمن بن أبي بكر لكنه رفض مبايعة يزيد. وقال له “إنك واللهِ لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردَنَّ هذا الأمر شورى في المسلمين، أو لتفرنها عليك جذعة”. فطلب منه معاوية ألا يعلن عن موقفه أمام أهل الشام حتى لا يقتلوه، فوافق.
ثم أخيرًا تحدث مع عبد الله بن الزبير، فقال له “إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها، وهَلُمَّ ابنك فَلْنبايعه. أرأيت إذا بايعتُ ابنك معك لأيكما نسمع؟ لأيكما نطيع؟ لا تجتمع البيعة لكما أبدًا”. وكان ابن الزبير يرى أنه لا يمكن مبايعة شخصين في وقت واحد. وهي حجة واهية، لأنه يعلم أن ولاية العهد ليست مثل الخلافة، وأن يزيد لن يكون له كلمة في حياة أبيه. وهذا يعني أنها رواية غير صحيحة نسبت لابن الزبير.
حقيقة بيعة يزيد
رأى معاوية أنه حصل على موافقة مبدئية من الثلاثة، وأعلن ذلك على المنبر أمام أهل الشام. لكن أهل الشام شاروا على معاوية أن يحصل منهم على موافقة علانية أو يضرب أعناقهم، فنهرهم وغضب عليهم. وفي نهاية المطاف بايع الناس يزيد وكان منهم 60 صحابيًا.
ومما يدل على أن معاوية لم يسلك طريق الترهيب والتخويف مع الصحابة وأبنائهم من أجل أخذ البيعة لابنه، أن ابن عمر قال “إن كان خيرًا رضينا، وإن كان شرًا صبرنا”.
ولما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية من الخلافة بعد استشهاد الحسين رضي الله عنه، امتنع ابن عمر عن المشاركة في الخروج عنه ومنع أهل بيته من ذلك. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “يُنصَب لكل غادر لواء يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله”. وهذا إعلان صريح من ابن عمر بالبيعة الشرعية ليزيد بن معاوية وأنه لا يجوز الخروج عليه.
تجهيز معاوية لابنه يزيد من أجل الخلافة
ولد يزيد بن معاوية في قرية الماطرون شمال شرق دمشق سنة 26 من الهجرة، وقيل ولد في مكة المكرمة. وبعد أن عاش فترة من طفولته مع أخواله، أخذه أباه ليعلمه أمور السياسة ويجعله يشارك في مجالسه، وأحضر له العلماء والمؤدبين والنسباء مثل علاقة بن كرشم. تعلم يزيد منهم جيدًا حتى صار من النسابين الخبراء في النسب. كما كان معاوية يجعله يحضر مجالس وفود العرب التي تفد عليه حتى يتعلم من حكمتهم. وكان يزيد شاعرًا، خطيبًا، فصيحًا، شجاعًا، كريمًا.
لم يتوقف الأمر على تعليم معاوية ليزيد أمور السياسة والعلم والفصاحة، بل أسند إليه قيادة الجيش سنة 45 هـ، وأرسله لقتال الروم. وفي سنة 49 هـ، سلمه قيادة الجيش الذي ذهب لغزو القسطنطينية. وكان ضمن جيشه عدد من الصحابة وأبنائهم مثل، أبو أيوب الأنصاري، عبد الله بن عمر، عبد الله بن عباس، الحسين بن علي، عبد الله بن الزبير. ولو كان يزيد غير أهلًا لقيادة الجيش أو فاسقًا أو شاربًا للخمر، لما قبل هؤلاء أن يكونوا تحت قيادته، ويذهبوا معه في غزوة مباركة، قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، “أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم”.
لما توفى معاوية كان يزيد في قرية حوارين، فأرسل إليه الضحاك بن قيس الفهري وعاد مسرعًا إلى دمشق. زار قبر أبيه ثم دخل المدينة وصعد المنبر وخطب بالناس. فأعلن جمع الأعطيات مرة واحدة بدل من ثلاث مرات كما كان في عهد أبيه. وأعلن أيضًا منع إرسال الجيوش إلى البحر، فافترق الناس وهم يثنون عليه.
المصادر:
موقع قصة الإسلام: ولاية العهد ليزيد بن معاوية.
صحيح البخاري.
ابن عساكر: تاريخ دمشق.
ابن كثير: البداية والنهاية.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن عبد ربه: العقد الفريد.
مقدمة بن خلدون، المجلد1.
البلاذري: فتوح البلدان.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق