كان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثاني خلفاء الدولة الأموية. ويعتبر من أكثر الخلفاء إثارة للجدل بسبب ظروف ولايته للعهد، وحربه ضد الحسين بن علي واستشهاده في معركة كربلاء. ويتعرض يزيد إلى سيل من السباب والتهم إلى يومنا هذا من الشيعة الذين اتهموه بالكفر ولعنوه ونسبوا إليه الكثير من الأحداث التي لم يثبت قيامه بها. فقد كانت فترة حكمه وما قبلها وما بعدها مليئة بالفتن والثورات. وكان أبناء الصحابة وحفيد رسول الله يرون أن الحكم يكون بالشورى مثل فترة الخلفاء الراشدين. بينما حول معاوية الحكم إلى وراثي، وسلم الدولة لابنه يزيد، ومن هنا تشتعل الأحداث من جديد بعد فترة من الاستقرار والسلام.
نسبه
اسمه: زيد بن معاوية بن أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن.
أبوه: مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان.
أمه: ميسون بنت بحدل بن أنيف بن دلجة، من قبيلة كلب.
نشأته وصفته
ولد يزيد بن معاوية في قرية الماطرون شمال شرق دمشق سنة 26 من الهجرة، وقيل ولد في مكة المكرمة. عاش فترة من طفولته مع أخواله، بعد أن طلق أباه معاوية أمه ميسون. ثم أخذه أباه ليعلمه أمور السياسة ويجعله يشارك في مجالسه، وأحضر له العلماء والمؤدبين والنسباء مثل علاقة بن كرشم، وعبيد بن شرية، ودغفل بن حنظلة الدوسي. تعلم يزيد منهم جيدًا حتى صار من النسابين الخبراء في النسب. كما كان معاوية يجعله يحضر مجالس وفود العرب التي تفد عليه حتى يتعلم من حكمتهم.
كان يزيد شاعرًا، خطيبًا، فصيحًا، شجاعًا، كريمًا. وكان أسمرًا، طويلًا، مجعد الشعر، خفيف اللحية، وفي وجهه أثار الجدري.
دوره في حياة أبيه
قاد يزيد الجيش سنة 45 هـ، بأمر من أبيه معاوية وذهب لقتال الروم، فنزل في دير سمعان وأرسل الجنود ليقاتلوا فأصابهم الجدري. ولما علم معاوية بالأمر حلف عليه أن يلحق بهم.
وفي سنة 49 هـ، جهز معاوية جيشًا لغزو القسطنطينية وجعل عليه يزيد، وكان ضمن جيشه عدد من الصحابة وأبنائهم مثل، أبو أيوب الأنصاري، عبد الله بن عمر، عبد الله بن عباس، الحسين بن علي، عبد الله بن الزبير. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، تنبأ بغزو القسطنطينية وقال “أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم”.
وحاصر الجيش الإسلامي بقيادة يزيد بن معاوية مدينة القسطنطينية من البر والبحر، لكن الروم استخدموا النار الإغريقية وهزموا المسلمين، ورغم انتهاء المعركة لكن استمر الحصار حتى سنة 60 من الهجرة.
ولاية العهد
رشح معاوية بن أبي سفيان في بداية خلافته 6 أسماء لتولي الخلافة من بعده: الحسن بن علي، سعيد بن العاص، مروان بن الحكم، عبد الله بن عمر، عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عامر. لكن بعد وفاة الحسن بن علي وجد أن ابنه يزيد الأحق بالخلافة نظرًا لتمرسه في السياسة والحكم، وأيضًا لأن أهل الشام يفضلون بني أمية ولا يقبلون بخليفة غير أموي.
وكان هدف معاوية من تولية ابنه يزيد للعهد هو عدم تفرق المسلمين من بعده واجتماعهم على رجل واحد. فكان يقول “إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع”. كما كان يدعوا الله ألا يكون تعيينه لابنه حبه له وليس مصلحة المسلمين. حيث قال “اللهم إن كنت تعلم أني وليته لأنه فيما أراه أهل لذلك فأتمم له ما وليته، وإن كنت تعلم أني وليته لأني أحبه فلا تتمم له ما وليته”.
صعد معاوية على المنبر في دمشق وأعلن أنه اختار ابنه يزيد خليفة من بعده، فرضى به أهل دمشق. ثم أرسل للبلدان والمدن الإسلامية، فجاءته الوفود من الشام والبصرة والمدينة سنة 51 من الهجرة. قبل الجميع بولاية يزيد ما عدا وفد أهل المدينة المنورة، فأرسل معاوية لمروان بن الحكم عامله عليها أن يأخذ البيعة منهم ليزيد.
خطب مروان في أهل المدينة وحثهم على الطاعة واجتناب الفتنة، وشبه بيعة يزيد بعهد أبي بكر لعمر بن الخطاب، فأوقفه عبد الرحمن بن أبي بكر ورفض أن يكون الأمران متشابهان، وانفض عنه الناس. ثم أرسل معاوية زياد بن أبيه لكن ظل أهل المدينة على موقفهم. وهنا قرر معاوية الذهاب إلى المدينة بنفسه خلال رحلته إلى مكة لأداء فريضة الحج عام 51 من الهجرة، وكان معه يزيد و1000 من أهل الشام.
موقف أبناء الصحابة
ولما علم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر بقدومه، خرجوا إلى مكة. وبعد انتهاء الحج، تحدث معاوية مع ابن عمر وحصل منه على موافقة مبدئية في حال وافق جميع الناس عليه. ثم تحدث إلى عبد الرحمن بن أبي بكر لكنه رفض مبايعة يزيد، فطلب منه معاوية ألا يعلن عن موقفه أمام أهل الشام حتى لا يقتلوه، فوافق. ثم أخيرًا تحدث مع عبد الله بن الزبير، فقال له “إن مللت الإمارة، فهلم ابنك فلنبايعه”، وكان ابن الزبير يرى أنه لا يمكن مبايعة شخصين في وقت واحد. لكن معاوية رأى أنه حصل على موافقة مبدئية من الثلاثة، وأعلن ذلك على المنبر أمام أهل الشام. لكن أهل الشام شاروا على معاوية أن يحصل منهم على موافقة علانية أو يضرب أعناقهم، فنهرهم وغضب عليهم. وفي نهاية المطاف بايع الناس يزيد وكان منهم 60 صحابيًا.
خلافة يزيد بن معاوية
لما توفى معاوية كان يزيد في قرية حوارين، فأرسل إليه الضحاك بن قيس الفهري وعاد مسرعًا إلى دمشق. زار قبر أبيه ثم دخل المدينة وصعد المنبر وخطب بالناس، فأعلن جمع الأعطيات مرة واحدة بدل من ثلاث مرات كما كان في عهد أبيه. وأعلن أيضًا منع إرسال الجيوش إلى البحر، فافترق الناس وهم يثنون عليه.
بعد تولي يزيد الخلافة مباشرة بدأ الإصلاحات الداخلية، وأرسل الجيوش في الفتوحات، كالتالي:
غزا عقبة بن نافع السوس الأقصى سنة 63 من الهجرة، وأخذ الغنائم وعاد. ثم عاد مرة ثانية وقُتِل على يد كسيلة.
أرسل مالك بن عبد الرحمن الخثعمي إلى الروم، وأرسل مالك بن عبد الله إلى قونية، وأرسل صائفة بقيادة الحصين بن النمير السكوني سنة 62هـ. ثم أرسل عبد الله بن أسد إلى قيسارية، ويزيد بن أسد إلى أرض الروم سنة 64 هـ.
وأرسل سلم بن زياد إلى خوارزم، سنة 62 هـ، فغنم أموالًا كثيرة، ثم اتجه إلى سمرقند فصالحوه. وأرسل سنان بن سلمة إلى فتح الموقان، ووصلت جيوش المسلمين إلى شمال شرق جبال الهيمالايا.
ثورة الحسين بن علي واستشهاده في كربلاء
لما توفى معاوية سنة 60 هـ، سكن الحسين بن علي في بيت العباس بن عبد المطلب في مكة، ولجأ عبد الله بن الزبير إلى المسجد الحرام، ولم يبايعا يزيد. وظل سيدنا الحسين في مكة، لكن أهل الكوفة اعترضوا على خلافة يزيد وأرسلوا له الكثير من الرسائل يطلبون منه الحضور ومبايعته. بعد إلحاح شيعة الكوفة، أرسل الحسين إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، ليتأكد من صدقهم. وعندما تأكد له أنهم بالفعل يرغبون في مبايعته، خرج إلى الكوفة.
ولما علم بعض الصحابة والتابعين بخروجه إلى الكوفة، نصحوه بعدم الذهاب وأخبروه أن أهل العراق أهل غدر. وكان من المعارضين لخروجه، عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، ومحمد بن الحنفية، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو سعيد الخدري.
لكن الحسين أصرَّ وذهب إلى الكوفة مع أهل بيته في يوم التروية سنة 60 هـ. وتمكن عبيد الله بن زياد والي الكوفة من الإمساك بمسلم وقتله، بعدما تخلى عنه أهل الكوفة وتركوه وحيدًا. وعندما كان الحسين على مشارف الكوفة، وصله خبر مقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، وانصرف عنه معظم أتباعه ولم يبقى معه إلا القليل.
أرسل عبيد الله بن زياد إلى الحسين قائد الشرطة كي يستقبله، واستدرجه الحر بن يزيد الرياحي ومعه 1000 ألف فارس داخل الكوفة. ولما وصل الحسين إلى كربلاء، وجد 4 آلاف مقاتل في انتظاره، بينما لم يكن معه سوى 32 فارسًا و 40 رجلًا فقط. وقاتل الحسين بكل شجاعة حتى استشهد يوم 10 محرم سنة 61 هـ. وقُتِل الكثير من أهل بيته وعلى رأسهم ابنه علي الأكبر. واختلف العلماء في الشخص الذي قطع رأسه قيل سنان بن أنس، وقيل شمر بن ذي الجوشن.
موقف يزيد بن معاوية من مقتل الحسين
لما علم يزيد بن أبي سفيان باستشهاد الحسين بكى بكاءً شديدًا هو وأهل بيته وقال “قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، ورحم الله الحسين”. وطلب من والي الكوفة أن يرسل له أهل بيت الحسين. ولما دخلت عليه فاطمة بنت الحسين قالت “يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا؟”، فقال “بل حرائر كرام”.
ثم أرسلهم إلى المدينة المنورة بصحبة النعمان بن بشير. وقال له كما ذكر ابن كثير الدمشقي “وأكرم آل بيت الحسين، ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه، وردهم إلى المدينة في تجمل وأبهة عظيمة. وقد ناح أهله في منزله على الحسين مع آله حين كانوا عندهم ثلاثة أيام”.
معارضة أهل المدينة وعبد الله بن الزبير
بعد موقعة كربلاء، خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية وطردوا عامله عليهم، وانضموا لعبد الله بن الزبير. لكن كبار الصحابة وأبنائهم ظلوا يبايعون يزيد خوفًا من الفتنة وكان على رأسهم عبد الله بن عمر، ومحمد بن الحنفية. وأرسل يزيد جيشًا من الشام بقيادة مسلم بن عقبة المري، وقاتل أهل المدينة، وعرفت بواقعة الحرة. وكان ذلك سنة 63 من الهجرة، وقُتِل فيها عدد كبير من الصحابة وأبنائهم.
وأقسم يزيد أن يأتيه ابن الزبير مكبلًا، فعاد عبد الله إلى البيت الحرام. وبدأ أهل مكة يجتمعون حوله، فأرسل يزيد الجيوش لمحاربته. ففي شهر محرم سنة 64 هـ، أرسل له جيشًا وضربوا مكة بالمنجنيق فاحترقت الكعبة. وتعرض عبد الله لخسائر فادحة وخسر كثير من مؤيديه. وكان احتراق الكعبة بعد وفاة يزيد بخمسة أيام. ولما رأى ابن الزبير ما حدث قال “اللهم إني لم أتعمد ما جرى، فلا تهلك عبادك بذنبي، وهذه ناصيتي بين يديك”.
وفاة يزيد بن معاوية
توفى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان في 15 ربيع الأول سنة 64 من الهجرة، بقرية حوارين في نواحي حمص.
المصادر:
ابن عساكر: تاريخ دمشق.
ابن كثير: البداية والنهاية.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن عبد ربه: العقد الفريد.
مقدمة بن خلدون، المجلد1.
البلاذري: فتوح البلدان.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق