كان يهود المدينة المنورة عبارة عن ثلاثة قبائل ( يهود بني قريظة، يهود بني النضير، يهود بني قينقاع). وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، إلى يثرب كان يعيش فيها قبائل الأوس والخزرج، واليهود الذين كان عددهم ألفي يهودي تقريبًا. ورغم معاهدات النبي معهم، لكنهم استغلوا كل فرصة للنيل من المسلمين والغدر بهم، فكانت عاقبتهم الطرد من المدينة.
خلفية تاريخية
انتقل اليهود إلى الحجاز تقريبًا في القرن الأول الميلادي، بعد حروبهم مع الامبراطورية الرومانية. فاشتغلوا في الزراعة وتحسنت أوضاعهم الاقتصادية. ثم انتقلوا إلى يثرب في القرن الخامس الميلادي، وعملوا في زراعة النخيل والحبوب، ومع الوقت صاروا قوة اقتصادية لا يستهان بها.
ومع وصول الأوس والخزرج إلى يثرب نشبت بينهما حرب لمدة قرن قبل عام 620 ميلاديًا. ونشأت تحالفات، فانضم بنو قريظة وبنو النضير إلى الأوس، وتحالف بني قينقاع مع الخزرج. ونشبت تقريبًا 4 حروب بين الأوس والخزرج وحلفائهم من اليهود، كان أشدها يوم بعاث.
قدوم النبي إلى المدينة
بعد هجرة رسول الله إلى المدينة المنورة سنة 622 ميلاديًا، عقد صحيفة بمثابة دستور بين سكان يثرب من المسلمين واليهود. وكان الهدف من الصحفية تحسين العلاقات بين الطوائف والفصائل المختلفة من المهاجرين والأنصار وقبائل اليهود. ونصت الوثيقة على الحرية الدينية لليهود والمسلمين، وأن يكونوا حلفاء في الحرب، وعدم غدر طرف بآخر أو إخلاله ببنود الصحيفة. لكن مع تزايد أعداد المسلمين بدأ تخوف اليهود ومع الوقت أخلوا ببنود الصحفية وغدروا بالمسلمين خلال الحروب وعقدوا تحالفات مع أعدائهم.
يهود بني قينقاع
يرجع نسب يهود بني قينقاع إلى النبي يوسف عليه السلام. اشتغلوا في التجارة والحدادة والصياغة، لذلك كانوا أغنى يهود المدينة. وسكنوا في حصن بوسط يثرب، وكانوا حلفاء الخزرج.
في شهر شوال من السنة الثانية للهجرة، ذهبت امرأة مسلمة إلى صائغ يهودي، فطلب منها الكشف عن وجهها، فرفضت. فعقد طرف ثوبها في ظهرها دون أن تشعر، وعندما قامت انكشفت عورتها وضحكوا عليها، فصرخت. سمعها رجل مسلم، فانقض على اليهودي وقتله، فقتله اليهود، فاستنجد أهل القتيل بالعرب المسلمين.
كان هذا الموقف بمثابة نقض لعهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فحاصرهم 15 ليلة، حتى وافقوا على الخروج، وتشتتوا في الشام، وهلك أكثرهم.
يهود بني قريظة
بنو قريظة قبيلة يهودية، يعود نسبهم إلى هارون بن عمران عليه السلام. وتعد قبيلتهم من أكبر قبائل اليهود، حيث كانوا تقريبًا ما بين 600 إلى 900 رجل في عهد النبي. سكنوا في الجهة الشرقية من المدينة، وعملوا في صناعة الأسلحة وكانوا قوة اقتصادية كبيرة.
نقض يهود بني قريظة للعهد
في السنة الخامسة من الهجرة، تحالف يهود بني النضير مع قريش وبعض القبائل العربية، لقتال المسلمين في المدينة. ثم توجه جيش الأعداء الذي عرف بجيش الأحزاب لحصار المدينة، لكن المسلمون نجحوا في صدهم؛ بفضل حفرهم الخندق استنادًا إلى نصيحة الصحابي الجليل سلمان الفارسي.
كان يهود بني قريظة على الحياد وبينهم وبين المسلمين عهد بعدم الغدر، لكن تدخل زعيم يهود بني النضير حيي بن أخطب، وحاول استمالتهم. لم يوافق كعب بن أسد زعيم بني قريظة في بداية الأمر، لكنهم في النهاية انضموا إلى جيش الأعداء وغدروا بالمسلمين.
علم النبي بغدر بني قريظة، فأرسل إليهم نعيم بن مسعود، وهو سيد من أسياد غطفان التي كانت ضمن جيش الأحزاب لكنه أسلم. نجح نعيم في إفشال تحالف يهود بني قريظة مع جيش الأحزاب من خلال إدخال الشك بينهما.
حصار يهود بني قريظة
بعدما انتهى حصار غزوة الخندق، وتشتت جيش الأحزاب، ذهب النبي لقتال بني قريظة بسبب غدرهم. تحصن اليهود في حصونهم 25 يومًا، لكن الله قذف الرعب في قلوبهم، فاستسلموا. وحكم فيهم سعد بن معاذ رضي الله عنه، وكان حكمه قتل المقاتلين وسبي النساء والأطفال، فقال النبي له بأنه حكم بحكم الله فيهم.
يهود بني النضير
يعود نسب يهود بني النضير إلى هارون بن عمران عليه السلام، وكانوا من أكبر قبائل اليهود في الحجاز، فكان عددهم 700 يهودي. سكنوا أحد أطراف المدينة وكانوا يعتقدون أنهم أشرف وأجل من يهود بني قريظة.
رغم عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهارهم الحب له، لكنهم حاولوا اغتياله وهو ضيف في ديارهم. وكان رسول الله قد ذهب إليهم طلبًا للمساعدة في دية قتيلين. وبينما هو جالس جاءه الوحي بنيتهم الخبيثة، فخرج رسول الله مسرعًا وخرج خلفه الصحابة.
أرسل إليهم النبي بالخروج من المدينة، وأمهلهم 10 أيام وألا يأخذوا معهم سوى ما تحمله ركائبهم. وبعد حصار عدة أيام، وافقوا على الإجلاء وخرجوا من المدينة تاركين بيوتهم وأسلحتهم. لكنهم هدموا بيوتهم وخربوها قبل المغادرة حتى لا يستفاد بها المسلمون، ثم هاجروا إلى خيبر والشام.
يهود بني النضير في خيبر
لم ينتهي غدر بني النضير بخروجهم من المدينة، فجعلوا خيبر مركزًا لهم، وبدأوا في التخطيط للانتقام من المسلمين. ذهبوا إلى قريش والقبائل العربية وعقدوا حلفًا ضد المسلمين وذهبوا بجيش كبير إلى المدينة، فكانت غزوة الخندق سنة 5 من الهجرة.
وبعد صلح الحديبية، ذهب النبي لغزو خيبر سنة 7 من الهجرة، للقضاء على قوة اليهود نهائيًا. اشتهرت خيبر بحصونها المنيعة، والمياه التي تجري تحت الأرض، وطعامها الوفير الذي يجعلها صامدة على حصار سنوات. وكانت مدينة غنية بفضل عمل اليهود بالربا مع البلدان المجاورة، وبها 10 آلاف مقاتل يجيدون القتال والرمي.
وكانت حصون خيبر عائق كبير أمام جيش المسلمين، حيث اشتهر اليهود دائمًا بحصونهم المنيعة التي يختبؤون خلفها. وبذلك فكانوا أهل حصون وسلاح وماء وطعام وفير يكفيهم حتى لو حاصرهم المسلمون لسنوات. ولم يكن لدى المسلمين أدنى خبرة في التعامل مع الحصون في القتال، فشكل هذا عائقًا أمامهم.
حصار اليهود في خيبر
كانت خيبر مليئة بالحصون الكبيرة والصغير، فلم يعرف المسلمون من أي حصن يبدؤون. لكنهم حاصروا حصن ناعم، وتواصل القتال عدة أيام، حتى تسلل اليهود من الحصن ليلًا، وذهبوا إلى حصن الصعب بن معاذ، فاحتله المسلمون.
انتقل جيش المسلمين لحصار حصن الصعب بن معاذ، وكان هذا الحصار شديدًا عليهم فتعرضوا للجوع. لم يكن هناك ما يأكله الجيش، فذبح أحد الرجال الحمير وكانت وقتها غير محرمة، وتأكلها العرب في ظروف معينة. عندما رأى النبي النار، وعلم بقصة ذبح الحمير نهى عن أكلها وقال “لا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِقُوهَا”.
بعد لجوء المسلمين إلى الله، نجحوا في فتح حصن الصعب بن معاذ في اليوم التالي. وكان الحصن مليئًا بالطعام والشراب، فأكلوا وشبعوا واستكملوا حربهم. ثم انتقلوا إلى حصن الزبير وكان حصن منيع فوق قمة جبل، لا تقدر عليه خيل ولا رجال. استمر الحصار 3 أيام، وعندما قطع النبي عنهم الماء بفضل استسلام واحدًا منهم، خرجوا من جحورهم وحاربوا، حتى هزموا شر هزيمة.
ظل اليهود ينتقلون من حصن إلى آخر، والمسلمون ينتصرون عليهم. وعندما لم يجد يهود خيبر سبيل للنجاة خرجوا للمفاوضة، وسألوا النبي أن يبقيهم مقابل نصف ما يخرج من أرض خيبر. وافق النبي على ذلك، على أن يخرجهم منها متى شاء.
المصادر:
موقع إسلام ويب: غزوة بني قريظة.
راغب السرجاني، كتاب السيرة النبوية.
سامي حمدان أبو زهري، يهود المدينة في العهد النبوي: أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
موسى بن راشد العازمي، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق