المهلب بن أبي صفرة الأزدي قائد عسكري مسلم، من أفضل قادة الدولة الأموية، الذين قاموا بدور كبير في التمهيد لفتوحات بلاد السند، وما وراء النهر التي استكملها بشكل منظم قتيبة بن مسلم. وله الفضل في نبوغ قتيبة وتقديمه على الساحة العسكرية عندما رشحه لوالي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي. بدأ ظهور المهلب على ساحة الأحداث منذ سنة 42 هـ، عند غزو سجستان. وكان رجلًا ذكيًا شجاعًا، صاحب مهارة وقدرة عالية في أمور القتال والحرب.

 

نسبه ونشأته

ينتمي المهلب إلى قبيلة أزد، واسمه: أبو سعيد المُهَلّب بن أبي صفرة بن سراق بن صبح العتكي الأزدي. وأمه: عناق بنت حاصر بن مالك بن الزهراني الازدي. ولد سنة 8 من الهجرة عام الفتح.

اختلف العلماء في زمن إسلامه، فقيل أسلم في عهد النبي ووفد عليه، وسماه أبي صفرة بدلًا من ظالم. وقيل أن والده أسلم ولم يفد على النبي، بل وفد على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع 10 من أبنائه. وكان المهلب أصغرهم، فنظر إليه سيدنا عمر وقال “هذا سيد ولدك”.

قال العسقلاني أن والد المهلب من مدينة الدبا التي وقعت فيها حروب الردة. وقد نزحت القبيلة من اليمن وتفرقوا في شبه الجزيرة العربية، واستقر أهل المهلب في عمان، وعرفوا بأزد عمان. ثم خرجت قبيلته من الجزيرة العربية وهاجروا إلى العراق بعد فتحها، وسكنوا في البصرة.

 

جهاده في سبيل الله

كان بداية ظهور القائد العسكري العظيم المهلب بن أبي صفرة عام 42 هـ، عندما شارك في غزو سجستان تحت إمرة عبد الرحمن بن سمرة. ثم شارك في غزو ثغر السند بعدها بعامين، وغزا أيضًا بلاد الهند عام 44 هـ.

كان للمهلب فضل في حماية جيش المسلمين في إحدى معاركه مع الترك، حيث كانوا لا يعلمون بتضاريس المكان وتمت محاصرتهم. يقول الطبري “فتولّى المهلّب الحرب، ولم يزل يحتال، حتى أخذ عظيمًا من عظمائهم فقال له: اختر بين أن أقتلك، وبين أن تخرجنا من هذا المضيق، فنجا وغنموا غنيمة عظيمة”.

ولما تولى سعيد بن عثمان بن عفان خراسان سنة 56 هـ، في زمن معاوية، خرج لفتح سمرقند. وكان المهلب معه في الغزو وقد أصيبت عينه، وفقًا لما ذكره بن خلكان. كما قلعت عين طلحة بن عبد الله الخزاعي في نفس الغزوة.

ويقول المهلب في واقعة إصابة عينه:

لئن ذهبت عيني لقد بقيت نفسي

وفيها بحمد الله عن تلك ما ينسي

إذا جاء أمر الله أعيا خيولنا

ولا بد أن تعمى العيون لدى الرمس

 

وعندما خرج سلم بن زياد لغزو الترك في زمن يزيد بن معاوية سنة 61 هـ، كان المهلب معه. ومن المعروف أن المسلمين كانوا لا يخرجون لغزو هذه البلاد خلال الشتاء، ولكن هذه المرة غزا سلم الترك بموسم الشتاء. وأرسل المهلب بن أبي صفرة إلى خوارزم، فحارصها حتى صالحه أهلها مقابل مبلغ كبير. وحصل منهم على خمسين ألف ألف، فحصل بذلك على تقدير وإعجاب سلم بن زياد.

وتعد هذه المعركة أول انتصارات المسلمين في نواحي سمرقند، حيث نجحوا في هزيمة خاتون ملكة بخارى. وكانت خاتون قد تحالفت مع ملك طرخون ملك الصغد، من أجل التصدي للمسلمين وهزيمتهم. لكن نجح الجيش الإسلامي في تحقيق انتصارات أجبرتها على طلب الصلح مقابل دفعها أموال كثيرة.

 

المهلب بعد وفاة يزيد بن معاوية

بعد وفاة يزيد بن معاوية، ترك سلم على خراسان المهلب بن أبي صفرة. وكانت هذه الفترة كلها فوضى واضطرابات سياسية، وتأججت العصبية القبلية بين اليمنية والقيسية. لذلك نأى المهلب بنفسه عن كل ذلك وترك خراسان وعاد إلى البصرة.

حصل عبد الله بن الزبير على بيعة أهل الحجاز والبصرة وخراسان واليمن، ومعظم الشام. ثم عهد بولاية خراسان إلى المهلب مرة ثانية سنة 65 من الهجرة. وفي هذا الوقت كانت العراق تعاني من هجمات الخوارج الأزارقة بقيادة نافع بن الأزرق، الذين انضموا إلى ابن الزبير ثم فارقوه.

مع الوقت عظم أمر الخوارج، وانتشروا في البصرة وخراسان وبلاد ما وراء النهر، ثم شاع أنهم يقصدون البصرة. وهنا اختار والي البصرة الحارث بن عبد الله ومعه الأحنف بن قيس قائدًا لمحاربتهم، ووقع اختيارهم على المهلب بن أبي صفرة. قبل المهلب المهمة وجهز جيشه وحاربهم وطردهم من البصرة.

 

صفاته وشخصيته

كان المهلب شجاعًا وذكيًا وقد ظهرت عليه علامات النبوغ والسيادة منذ صباه. كما تمتع بقدرات عسكرية فائقة، ويعود له الفضل في التمهيد إلى فتح بلاد السند وما وراء النهر. كما حارب الخوارج 19 سنة، حتى قضى على قوتهم تمامًا.

وكان المهلب عظيم النفس، فقد ورد أن رجلًا أوقفه يومًا وقال له “أريد منك حويجة”، فقال له “أوجد لها رجيلًا”. وكان كريمًا جوادًا على ضيوفه، فقد روي أنه أوصى خدمه أن يكثروا من الطعام ويقللوا من الماء إذا جاءه ضيف، حتى يملأ بطنه بالماء ويشبع.

كما كان رجلًا حليمًا متواضعًا، فقد ورد أنه سمع رجلًا وهو يمشي بالبصرة يقول “هذا الأعور قد ساد الناس، ولو خرج إلى السوق لا يساوي أكثر من مائة درهم”. فبعث إليه المهلب بمائة درهم وقال: “لو زدتنا في الثمن زدناك في العطية”.

وقد ورد في حكمته، أنه حين حضرته الوفاة جمع أولاده، وطلب مجموعة سهام فجمعها ثم قال “أفترونكم كاسريها مجتمعة؟”، فقالوا: لا. فقال لهم “فهكذا الجماعة، فأوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم…  فتحابوا وأجمعوا أمركم ولا تختلفوا وتباروا تجتمع أموركم”.

وقال عنه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه “هذا سيد أهل العراق”.

 

وفاته

ظل المهلب بن أبي صفرة واليًا على خراسان حتى توفي فيها. وقد توفي سنة 83، وقيل سنة 83 من الهجرة، بقرية زاغول بخراسان.

 

 

 

 

المصادر:

العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

ابن حزم: جمهرة أنساب العرب.

ابن خلكان: وفيات الأعيان.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

البلاذري: أنساب الأشراف.

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات