بنو الأحمر، أو بنو نصر، هم سلالة عربية، استقر أجدادهم في الأندلس بعد الفتح الإسلامي، وبرزوا كقادة عسكريين وإداريين خلال عصر الموحدين. اشتهروا بلقب “الأحمر” بسبب لون شعر أو لحية مؤسس السلالة، محمد بن يوسف بن نصر (ابن الأحمر). بعد انهيار دولة الموحدين في القرن الثالث عشر الميلادي (السابع الهجري)، تفككت الأندلس إلى دويلات صغيرة. استغل محمد بن الأحمر هذا الفراغ السياسي وأعلن نفسه حاكمًا على غرناطة عام 1232م (629هـ)، مؤسسًا آخر مملكة إسلامية في الأندلس.

 

أبرز حكام بنو الأحمر في الأندلس

محمد الأول (ابن الأحمر) 1232-1273م

يعد محمد بن يوسف بن نصر الأحمر المؤسس الفعلي لمملكة غرناطة، حيث استغل فراغ السلطة بعد سقوط دولة الموحدين ليؤسس آخر معقل إسلامي في الأندلس. تميز حكمه بالدهاء السياسي، حيث تحالف مع فرناندو الثالث ملك قشتالة ضد أعدائه المسلمين، كما بدأ ببناء حصون قصر الحمراء الشهير. وواجه تحديات كبيرة في تثبيت أركان دولته الناشئة بين أعداء مسلمين وممالك مسيحية متعاظمة.

محمد الثاني 1273-1302م

خلف محمد الثاني والده في حكم غرناطة، وعرف بسياساته الحكيمة في التعامل مع الممالك المسيحية المجاورة. عزز التحالف مع مملكة قشتالة ضد مملكة أراغون، كما اهتم بتطوير الجيش وتقوية التحصينات الدفاعية. في عهده ازدهرت الحركة العلمية والأدبية، وبدأت غرناطة تتحول إلى مركز إشعاع ثقافي بعد سقوط المدن الأندلسية الكبرى.

 يوسف الأول 1333-1354م

يعد يوسف الأول من أكثر حكام بني الأحمر حنكة وإدراكًا للواقع السياسي. واجه في عهده تهديدات متزايدة من الممالك المسيحية، فقام بتعزيز التحصينات العسكرية وخاصة في قصر الحمراء. واشتهر عهده بالعدل والإصلاحات الإدارية، كما شهدت غرناطة في عصره نهضة عمرانية كبيرة. قتل في مؤامرة قصرية عام 1354م وهو في أوج قوته.

محمد الخامس 1354-1391م

يعتبر عصر محمد الخامس العصر الذهبي لمملكة غرناطة، حيث بلغت الدولة أوج ازدهارها السياسي والثقافي. أكمل بناء أهم أجزاء قصر الحمراء، وخاصة بهو الأسود الشهير. واهتم بالعلوم والفنون، وجعل من بلاطه مركزًا لجذب العلماء والأدباء. وواجه بعض الانقلابات الداخلية لكنه استطاع الحفاظ على استقرار الدولة حتى وفاته.

أبو الحسن علي 1464-1482م

حاول أبو الحسن علي مقاومة التوسع المسيحي برفض دفع الجزية للملك فرديناند، مما أدى إلى اشتعال الحرب بين الطرفين. وحقق بعض الانتصارات العسكرية المهمة في البداية، لكن سياساته المتشددة أدت إلى انقسامات داخلية وخلافات عائلية أضعفت الدولة في لحظة حرجة من تاريخها.

أبو عبد الله الصغير 1482-1492م

آخر حكام بنو الأحمر، اشتهر بمأساته التاريخية عندما سلم غرناطة للملكين الكاثوليك فرديناند وإيزابيلا عام 1492م. حاول الصغير المقاومة في البداية، لكن الضغوط العسكرية والانقسامات الداخلية أجبرته على التسليم. وتنتهي بذلك حقبة الحكم الإسلامي في الأندلس التي استمرت ثمانية قرون.

 

أبرز معالم مملكة غرناطة

قصر الحمراء

يُعد قصر الحمراء أشهر معالم غرناطة، وواحدًا من أعظم نماذج العمارة الإسلامية في الأندلس. بدأ بناؤه في عهد محمد بن الأحمر في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم اكتمل في عهد محمد الخامس (القرن الرابع عشر). يتميز القصر بزخارفه الدقيقة، وأقواسه المنقوشة، وساحاته المزينة بالنقوش العربية والآيات القرآنية. ومن أشهر أجزائه:

بهو الأسود: الذي يحتوي على نافورة تحيط بها 12 أسدًا من الرخام.

قصر الريحانة: المخصص للاستقبالات الرسمية.

جنات العريف: الحدائق الملكية التي تطل على غرناطة.

حي البيازين

يقع حي البيازين (البائيسين) على هضبة مقابل قصر الحمراء، وكان مركزًا للحياة اليومية في مملكة غرناطة. يتميز بشوارعه الضيقة المتعرجة، ومنازله البيضاء المبنية على الطراز الأندلسي، وآبار المياه التي تعود للعصر الإسلامي. كما يضم:

كنيسة سان نيكولاس، التي بُنيت على أنقاض مسجد قديم.

الميادين العامة التي كانت تستخدم للأسواق والاحتفالات.

الحمامات العربية في غرناطة

كانت الحمامات العامة جزءًا أساسيًا من الحياة الاجتماعية في غرناطة، ومن أشهرها:

حمام قصر الحمراء: المخصص للعائلة الملكية.

حمام البيازين: الذي لا يزال بعض أجزائه قائمًا حتى اليوم.

الأسوار والحصون

حصن حكام بني الأحمر غرناطة بأسوار ضخمة وأبراج مراقبة، مثل:

سور غرناطة: الذي كان يحيط بالمدينة لحمايتها من الهجمات.

قلعة شنيل (قلعة مونماور): حصن عسكري استراتيجي على التلال المجاورة.

المساجد والمدارس

رغم أن معظم المساجد الإسلامية تحولت إلى كنائس بعد سقوط غرناطة، إلا أن بعض آثارها بقيت، مثل:

المسجد الجامع في البيازين: الذي تحول إلى كنيسة سان سلفادور.

مدرسة يوسفية: التي كانت مركزًا للتعليم الإسلامي.

قصر جنة العريف

تقع جنة العريف (جنراليف) على تلة مجاورة للحمراء، وكانت الحديقة الملكية الصيفية لحكام بني الأحمر. تتميز بمدرجاتها الخضراء، وقنوات المياه، وأشجار الفاكهة التي تعكس فنون الري والزراعة الأندلسية.

 

صراعات ملوك وأمراء بنو الأحمر

شهدت مملكة غرناطة تحت حكم بني الأحمر سلسلة من الصراعات الداخلية على العرش، بدءً من القرن الثالث عشر الميلادي. فبعد وفاة محمد الثاني عام 1302م، دخلت المملكة في حرب أهلية بين أبنائه، مما أضعف الدولة في وقت كانت الممالك المسيحية تزداد قوة. هذه الصراعات العائلية أصبحت سمة متكررة في تاريخ بني الأحمر، حيث كان التنافس على الحكم يدمر الوحدة الداخلية.

تجلت أزمة الحكم بوضوح في عهد محمد الخامس، الذي تعرض للانقلاب مرتين (في 1359م و1362م) من قبل أقاربه. ورغم عودته للحكم في النهاية، إلا أن هذه الفتنة استنزفت موارد الدولة وأضعفت ثقة الشعب بالحكم. وصف المؤرخ ابن الخطيب هذه الفترة بأنها “أيام سوداء” حيث تحالفت بعض الفصائل مع قشتالة ضد حكامها.

وبلغت الأزمة ذروتها في القرن الخامس عشر مع الصراع المرير بين أبو الحسن علي وابنه أبو عبد الله (الصغير). فقد ثار الابن على أبيه عام 1482م بدعم من فصائل في القصر، مما أدى إلى انقسام المملكة بينهما في لحظة حرجة، بينما كان الجيش القشتالي يحاصر غرناطة. هذا الانقسام العائلي عجل بسقوط المملكة، حيث استغل فرديناند وإيزابيلا هذه الفرصة للهجوم.

وقد أدت هذه الصراعات إلى:

تفتيت الوحدة السياسية والعسكرية للدولة.

استنزاف الموارد في الحروب الأهلية بدلاً من مواجهة الخطر المسيحي.

فقدان الشرعية الشعبية للحكام.

تسهيل مهمة الممالك المسيحية في اختراق الصفوف.

 

نهاية عصر ( بنو الأحمر ) في الأندلس

بحلول القرن الخامس عشر الميلادي، أصبحت مملكة غرناطة آخر ولاية إسلامية في الأندلس، محاطةً بالممالك المسيحية. ومع توحيد قشتالة وأراغون بزواج فرديناند وإيزابيلا، زاد الضغط على بني الأحمر، الذين واجهوا حروبًا متكررة وفرضًا للجزية.

تزامن التهديد الخارجي مع انقسامات داخلية بين أفراد الأسرة الحاكمة. ففي عام 1482م، ثار أبو عبد الله الصغير ضد والده أبو الحسن علي، مما أضعف المقاومة الإسلامية. واستغل المسيحيون هذا الخلاف، فشنوا هجمات متتالية على غرناطة، مستولين على مدنها واحدة تلو الأخرى.

في 1491م، حاصر الجيش المسيحي غرناطة حصارًا شديدًا، مما أدى إلى شح المؤن وضعف الروح المعنوية. وفي 2 يناير 1492م (897هـ)، سلم أبو عبد الله الصغير المدينة للملكين الكاثوليك، منهيًا بذلك حكم بني الأحمر الذي دام أكثر من 250 عامًا.

نُفي أبو عبد الله إلى منطقة في جبال الألبوجاراس، ثم غادر إلى فاس في المغرب، حيث عاش بقية حياته. وتُروى عنه قصة بكائه عند توديعه غرناطة، في مشهد أصبح رمزًا لنهاية الحضارة الإسلامية في الأندلس.

وبعد سقوط غرناطة، نكث المسيحيون بعهودهم، ففرضوا محاكم التفتيش وأجبروا المسلمين على التحول للمسيحية أو الطرد. وهكذا انتهى العصر الذهبي للأندلس، تاركًا وراءه إرثًا عريقًا في العمارة والفنون والعلوم.

 

 

اقرأ أيضًا: التحكيم بين علي ومعاوية

 

 

المصادر

ابن خلدون: المقدمة – تحليل لانهيار الدول وسياق سقوط الموحدين.

المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.

فنش: ماريا روزا (2008)، غرناطة الإسلامية.

الحميري: الروض المعطار في خبر الأقطار.

ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات