كان جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان من أهم الأعمال التي قام بها خلال فترة خلافته. حيث قام بنسخه ووزعه على جميع الأقاليم، فصار المسلمون من كل الأجناس يقرأون قراءة واحدة بدون أي خلاف. وعرف المصحف الذي جمعه الخليفة الثالث بالمصحف العثماني أو المصحف الإمام. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول من جمع القرآن الكريم في كتاب واحد بعدما استشهد عدد كبير من القراء في معركة اليمامة.
مراحل جمع القرآن الكريم
اتخذ جمع القرآن في مصحف واحد عدة مراحل كالتالي:
القرآن في عهد النبي
كان للنبي صلى الله عليه وسلم، كتاب وحي مثل الخلفاء الراشدين الأربعة وزيد بن ثابت وأبي بن كعب. وكلما نزل عليه الوحي أمر بكتابته بشكل متفرق على العسب واللخاف والرقاع. وكان القرآن في عهد رسول الله يكتب على الأحرف السبع مع ترتيب الآيات. ويقول زيد بن ثابت رضي الله عنه ” قبض النبي ولم يكن القرآن جمع في شيء”.
جمع القرآن في عهد أبي بكر لأول مرة
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن القرآن مجموعًا في كتاب واحد. وبعد وفاته ارتدت معظم القبائل عن الإسلام، فأرسل أبو بكر الجيوش لمحاربتهم، وخلال هذه الحروب خاصة معركة اليمامة استشهد عدد كبير من القراء. لذلك اقترح عمر بن الخطاب على أبي بكر أن يجمع القرآن في مصحف واحد خوفًا من ضياعه. تردد أبو بكر في البداية لأنه شيء لم يفعله رسول الله، لكنه وافق في النهاية وكلف زيد بن ثابت بالمهمة.
شرع زيد في جمع القرآن من صدور الرجال ومن العظام واللخاف والعسب والرقاع. ولما انتهى من جمعه سلم الكتاب إلى أبي بكر وظل عنده حتى وفاته، ثم عند عمر بن الخطاب حتى مات. وأخيرًا عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها، حتى خلافة عثمان بن عفان.
أسباب جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان
كانت الدولة الإسلامية في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان قد اتسعت رقعتها، ودخلت أمم وأجناس جديدة غير العرب في الإسلام. لذلك انتشر الصحابة في الأقاليم يعلمون الناس القرآن، وكان كل صحابي يعلم الناس بالحرف الذي تلقاه من الأحرف السبعة. فمثلًا أهل العراق يقرأون قراءة عبد الله بن مسعود، وأهل الشام يقرأون قراءة أبي بن كعب. وبعدما أصبحت كل بلد تقرأ قراءة، اختلف الناس فيما بينهم وبدأوا يكفرون بعضهم البعض، وكل طرف يرى أن قراءته هي الأصح.
وقد احتد الأمر بين أهل الشام والعراق عندما اجتمعوا في فتوحات أرمينية وأذربيجان. وهنا لاحظ حذيفة بن اليمان الخلاف، حتى أن البعض كان يقرأ بلحن ويعتقد أنه يقرأ قراءة صحيحة. ووصل الخلاف في القراءة إلى سكان المدينة المنورة نفسها، حتى علم عثمان بالأمر. وعندما جاء حذيفة وأخبره بالوضع بين الجنود، تأكد أن الأمر يحتاج إلى ضبط سريع.
اجتمع عثمان بن عفان بالصحابة واستشارهم في الأمر، ثم اختار لمهمة نسخ المصاحف لجنة من أربعة صحابة: زيد بن ثابت، سعيد بن العاص، عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن الحارث بن هشام. وقيل ان عثمان لم يكتف بالأربعة، بل وصل الأمر إلى 12 صحابي كانوا ضمن لجنة كتاب المصحف. وكان نسخ المصحف حسب ما ذكر ابن حجر في أواخر سنة 24 هـ، وأوائل سنة 25 هـ. بينما ذكر ابن الجزري وابن الأثير أنه كان سنة 30 من الهجرة، لكن الأول أصح.
كيفية جمع القرآن في مصحف واحد
بعدما اختار سيدنا عثمان لجنة جمع المصحف، أرسل لحفصة بنت عمر وطلب منها أن ترسل إليه الصحف التي جمعت في خلافة أبي بكر، كي ينسخها في مصاحف، فأرسلتها إليه. ثم قدم هذه الصحف إلى الكتاب وقال لهم ” إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القران، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم”.
كما سأل رضي الله عنه الصحابة قائلًا: “من أكتب الناس، قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب، قالوا: سعيد بن العاص. ثم قال رضي الله عنه: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب زيد”.
وقد اتفق الصحابة على منهج في الجمع العثماني، كالتالي:
يتم جمع القرآن على حرف واحد ويتم تجريده من النقط والشكل.
بالنسبة للآية التي تحتمل أكثر من قراءة، تكتب خالية من أية علامة تقصر النطق بها على قراءة واحدة، فتكتب برسم واحد يحتمل القراءتين أو القراءات فيها جميعًا. مثال على ذلك: كلمة (فَتَبَيَّنُوا) التي قرئت أيضًا (فتثبتوا)، وكلمة (نُنشِزُهَا) قرئت أيضًا (ننشرها).
أما إذا لم يكن رسمها بحيث تحتمل القراءات فيها، فتكتب في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة، وفي مصاحف أخرى برسم يدل على القراءة الأخرى، مثل: (وَوَصَّى بِهَا إبرَهِيم) هكذا تكتب في بعض المصاحف، وفي بعضها (وأوصى).
مميزات المصحف العثماني
تميز مصحف الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه بعدة مميزات كالتالي:
أنه كتب على حرف واحد من الأحرف السبعة.
جمع الناس على مصحف واحد لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل.
اقتصر المصحف على القراءات المثبتة عن رسول الله، حيث تم إلغاء ما لم يثبت.
ترتيب الآيات والسور على الشكل الذي نراه عليه اليوم.
توزيع نسخ المصحف على الأمصار
بعد أن انتهت لجنة نسخ المصاحف، قام خليفة المسلمين عثمان بتوزيع النسخ على الأمصار والأقاليم. وأرسل مع كل مصحف قارئ يوافق قراءة أهل القطر، فأصبح كل إقليم يتلقى قراءة إمامه. ثم أمر رضي الله عنه، بحرق كل الصحف المحفوظة عند الصحابة، فلم يبقى سوى المصحف الذي جمعه.
اختلف العلماء في عدد نسخ القرآن التي نسخها عثمان على أقوال: قال البعض أن عدد النسخ أربعة فقط، أمسك عثمان نسخة عنده، وأرسل ثلاثة نسخ إلى الشام والكوفة والبصرة.
وقال السيوطي أنهم خمس نسخ، بينما ذكر آخرون أنهم 6 أو 7 نسخ. لكن أغلب الآراء تشير أنهم 6 نسخ. واتفق العلماء على نسخ المدينة والكوفة والبصرة ودمشق، بينما اختلفوا في نسخ مصر والبحرين واليمن ومكة.
وكانت مصاحف مكة والمدينة تعرف بالمصاحف الحجازية عند أهل الرسم. ومصاحف البصرة والكوفة كانت تعرف بالمصاحف العراقية، والمصحف السادس هو المصحف الشامي. وكانت جميع المصاحف مكتوبة على ورق الكَاغِد، بينما كُتِب مصحف عثمان على ورق الغزال وهو المعروف بمصحف الإمام.
الرسم العثماني
الرسم العثماني هو الطريقة التي كتب بها القرآن في عهد عثمان بن عفان، حيث خالف في الكلمات قواعد الإملاء ولم يتطابق مع اللفظ المنطوق. والأصل أن يوافق المكتوب المنطوق بدون زيادة أو نقصان أو تبديل أو تغيير، مع مراعاة الفصل والوصل والوقف والابتداء. وكانت هناك قواعد معينة للرسم العثماني، كالتالي:
- الوجه الأول: الحذف، مثل حذف الألف في كلمة “العلمين”، والأصل في كتابتها “العالمين”.
- الوجه الثاني: الزيادة، وتكون في الألف والواو والياء مثل زيادة الألف في “جائ” والأصل “جيء”.
- الوجه الثالث: الهمزة، حيث كتبت تارة بالألف وتارة بالياء وتارة بالواو.
- الوجه الرابع: البدل: وهو إبدال الألف واو أو ياء مثل كلمة “الصلوة” والأصل “الصلاة”.
- الوجه الخامس: الفصل والوصل، حيث رسمت بعض الكلمات متصلة رغم أنها منفصلة، وكلمات أخرى رسمت منفصلة مع أنها متصلة.
- الوجه السادس: تعدد القراءة، حيث تقرأ بعض الكلمات بقرائين مثل “ملك يوم الدين” حيث تقرأ بالألف وبحذفها.
المصادر:
مقدمة ابن خلدون.
السيوطي: الاتقان في علوم القرآن.
الزرقاني: مناهل العرفان في علوم القرآن.
الزركشي: البرهان في علوم القرآن.
موقع قصة الإسلام: جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *