طريف بن مالك قائد عسكري، كان له دورًا بارزًا خلال فتح الأندلس. فهو أول مسلم يضع قدمه على أرض شبه الجزيرة الأيبيرية. أرسله موسى بن نصير بحملة استطلاعية، فحقق انتصارًا عظيمًا، وعاد محملًا بالغنائم والمعلومات. وكان لحملته أثر كبير في اتخاذ قرار عبور مضيق جبل طارق والدخول مع القوط في معارك طويلة، حتى أتم الله فتح بلاد الأندلس على المسلمين. وبفضله حكم المسلمون هذه المنطقة 8 قرون، وما زالت أثارهم في إسبانيا شاهدة لليوم على حضارتهم العريقة.
نسبه
اختلف المؤرخون في نسب طريف بن مالك على عدة أقوال:
أنه من البربر من قبيلة برغواطة، وكانت هذه القبيلة تسكن بالقرب من مدينة الرباط حاليًا. وكان طريف رئيس هذه القبيلة، وله دور كبير في تحولهم الفكري والعقائدي، وقيادتهم خلال القتال. وهناك من يقول أنه كان من موالي موسى بن نصير البربر، وإليه تنسب جزيرة طريف.
قال آخرون أن طريف بن مالك عربي من اليمن من قبيلة المعافري، وكانت هذه القبيلة تسكن اليمن ومصر والأندلس، لكن أصلهم باليمن. وقيل أن اسمه طريف بن مالك النخعي، من سبأ في اليمن.
الراجح، أن مالك بن طريف من البربر وليس عربي. برزت شخصيته خلال عهد موسى بن نصير ومن بعده، وظل بين البربر حتى مات.
نشأته
لا يوجد الكثير من الأخبار أو المعلومات حول حياة طريف قبل موسى بن نصير. لكن قال العلماء أن أباه مالك كان مسلمًا، نظرًا إلى اسمه. فيكون طريف نشأ في بيت مسلم وتربى على الدين الإسلامي. وبسبب كفاءته وقوة شخصيته لمع نجمه بين قبيلته، ولفت أنظار القائد العربي موسى بن نصير، فأسند إليه مهمة استطلاع الأندلس.
سرية طريف بن مالك إلى الأندلس
بعد أن أتم موسى بن نصير فتوحاته في إفريقية والمغرب، وفتح جزر البحر المتوسط لتأمين الشواطئ الإسلامية من البيزنطيين، كان يفكر في وجهة جديدة للفتوحات. وخلال ذلك وصلته رسالة من عامله على طنجة طارق بن زياد، يخبره أن حاكم سبتة يوليان يشجعه على غزو الجزيرة الأيبيرية.
أرسل موسى بن نصير إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك يستشيره في الأمر. فطلب الوليد منه أن يرسل أولًا حملة استطلاعية إلى هذه البلاد لترصد الوضع، حتى لا يعرض الجيش الإسلامي لخطر عبور البحر. وقال نصًا “خُضْها بالسرايا، حتى ترى وتختبر شأنها، ولا تغرّر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال”.
كان على موسى اختيار قائدًا جديرًا بهذه المهمة الخطيرة، فوقع اختياره على طريف بن مالك. ويعود سبب هذا الاختيار إلى بروز شخصية طريف خلال فتوحات موسى في بلاد المغرب والجزر في البحر المتوسط.
وفي شهر رمضان سنة 91 من الهجرة، خرجت سرية طريف بن مالك، وكان برفقته 400 جندي و100 فارس. وعبر الزقاق أو المضيق بين شمال أفريقيا والأندلس من سبتة إلى جزيرة بالوما التي عرفت لاحقًا بجزيرة طريف بن مالك.
بمساعدة يوليان حاكم سبتة، قام طريف بعدة غارات على ساحل الأندلس في الجنوب والجزيرة الخضراء. ثم عاد راجعًا بنفس الشهر محملًا بالغنائم، فتشجع موسى بن نصير على الغزو، وبدأ يجهز الجيش للفتح.
لم يأتي طريف بالغنائم فقط بل بمعلومات حول طبيعة السكان وتضاريس الجزيرة الخضراء، وأساليب الناس هناك في القتال ومدى استعدادهم. فلم يجد أي مقاومة تذكر لا من السكان ولا من الحكام. وتأكد موسى بن نصير من نية يوليان في مساعدة المسلمين ومدى حقده على الملك لذريق. فكان هذا تبشيرًا للمسلمين بأن لهم النصر إن عبروا.
طريف بن مالك بعد موسى بن نصير
بعد فتح الأندلس اختفى طريف من ساحة الأحداث، لكنه عاد للظهور مرة ثانية سنة 117 هجرية. حيث لعب دورًا في إخماد الثورة التي قادها ميسرة البربري المدغري في بلاد المغرب. كان ميسرة يسعى إلى تحقيق المساواة بين البربر والعرب في الجيش الإسلامي. وعندما لم يحصل البربر على ما يتطلعون إليه من الخليفة هشام بن عبد الملك، قاموا بهذه الثورة.
قام ميسرة بإعلان نفسه إمامًا وبايعه الناس في طنجة موطنه. ثم انضم إليه بعض القبائل الأخرى في المنطقة مثل غمارة ومكناسة وبرغواطة قبيلة طريف نفسه. فبسبب ظلم بعض الولاة انضم طريف إلى ثورة الخوارج الذين انتشرت دعوتهم في البلاد.
كانت ثورة البربر عارمة، فاشترك فيها الجميع انتفاضًا على ظلم الولاة العرب، الذين كانوا يفرقون في المعاملة بينهم وبين البربر. وكان طريف أحد قادة هذه الثورة، فلما فشلت، سكن في تامسنا فقدمه البربر على أنفسهم. ظل طريف أميرًا على بلاد البربر وليس قبيلته فقط حتى وفاته سنة 124 من الهجرة.
زندقة برغواطة
ترك طريف خلفه 4 أولاد، وتولى أمر الناس بعده ابنه صالح، الذي شرع ديانة وادعى النبوة وسمى نفسه صالح المؤمنين، ثم عهد إلى ابنه إلياس بديانته. لكن هذا الانحراف اقتصر على القبيلة فقط، وعرف بزندقة برغواطة. لذلك فطريف بن مالك برئ من هذا الانحراف ولا يوجد أي مصدر معتمد يتهمه بذلك، وانما نسبوا هذا الأمر لابنه صالح.
اقرأ أيضًا: خالد بن الوليد سيف الله المسلول
المصادر:
ابن عبد الحكم: تاريخ المغرب العربي.
ابن حزم: جمهرة أنساب العرب.
محمود شيث خطاب: قادة فتح الأندلس.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق