شملت فتوحات عثمان بن عفان رضي الله عنه، فتح بلاد جديدة وإعادة السيطرة على مناطق ومدن بعد ثورات أهلها وتمردهم على الحكم الإسلامي. ففي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كانت الدولة الإسلامية قد اتسعت رقعتها فشملت الشام والعراق وفارس. وكان المسلمون يفتحون البلاد ويجعلون عليها ولاة، ثم يعودون إلى مراكزهم في البصرة والكوفة ودمشق. وهذا بالطبع أتاح الفرصة للفرس بالقيام بالكثير من الثورات في همذان وأذربيجان وخراسان والرّيّ وطبرستان وجرجان وغيرهم. كما قام البيزنطيون أيضًا باقتحام الإسكندرية مرة ثانية وتوغلوا داخل مصر. لكن المسلمون نجحوا في إخماد ثورات فارس وطرد البيزنطيين واستعادوا سيطرتهم مرة ثانية.
فتح أرمينية
كان المسلمون قد فتحوا الشام في عهد عمر بن الخطاب، وخلال فتوحات عثمان بن عفان توغلوا في الشمال تجاه الأراضي الأرمينية لنشر الإسلام فيها. كانت أرمينية تابعة للإمبراطورية البيزنطية، فتأمل أهلها الحصول على مساعدة الروم. لكن خاب أملهم ووجدوا أنفسهم أمام المسلمين دون حماية أو دفاع.
توجه حبيب بن مسلم الفهري إلى الأراضي الأرمينية بأمر من عثمان بن عفان، ومعه 6 آلاف وقيل 8 آلاف من أهل الشام والجزيرة الفراتية. ولما نجح مسلمة في بسط نفوذ الدولة الإسلامية على نهر الفرات وأودية نهر الرس والمناطق الجبلية المرتفعة وحاصر مدينة قاليقلا، اضطر قائد الأرمن تيودور الرشتوني إلى إجراء مفاوضات مع المسلمين.
تم الاتفاق بين المسلمين والأرمن بشروط معينة مثل، الاعتراف باستقلال الأرمن وبسيادتهم على أراضيهم. على أن يعينوا حاكمًا أرمينيًا عامًا، وتقديم 15 ألف جندي أرمني لخدمة الدولة الإسلامية. وألا يساعد الأرمن أعداء المسلمين، وأن يدافع عنهم ضد أي غزو بيزنطي.
ظل بعض الأرمن تحت الحكم الإسلامي، بينما فضل آخرون الرحيل إلى بلاد الروم. ثم قام معاوية بن أبي سفيان بتسكين ألفيّ رجل بقالقيلا وأعطاهم أراضي وجعلهم مرابطين بها. لكن لم يسكت البيزنطيين على ذلك، فحشدوا جيشًا وخرجوا لمواجهة مسلمة بن حبيب، فـأمده سيدنا عثمان بـ 6 آلاف وقيل 12 ألف مقاتل، خرجوا من الكوفة بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلي. استطاع مسلمة هزم الروم وفتح مدن دبيل والنشوى وتفليس وجرزان، ثم توقفت حركة الفتوحات بسبب اضطراب الأحوال الداخلية في نهاية عهد عثمان بن عفان.
فتح طرابلس بالشام
رغم فتوحات الشام التي بدأت منذ عهد أبو بكر الصديق واستمرت في خلافة عمر بن الخطاب، ظل الروم متمسكون بطرابلس. حيث تحصن بها البيزنطيون الذين هربوا من المدن الشامية التي فتحها المسلمون، وكانت آخر معاقلهم على الساحل. وكانت طرابلس قاعدة بيزنطية تمثل بوابتهم إلى البحر الذي يربطهم بوطنهم الأم في القسطنطينية. وكان المسلمون يرون وجود الروم في طرابلس تهديدًا كبيرًا للبلدان الأخرى التي قاموا بفتحها.
نجح معاوية بن أبي سفيان في الحصول على موافقة عثمان بن عفان من أجل حصار طرابلس. لذلك أرسل والي بعلبك سفيان بن مجيب الأزدي على رأس جيش كبير لحصارها. لكن لم يكن حصار طرابلس سهل فقد كانت مدينة منيعة ويحصل سكانها على إمدادات عن طريق البحر. كتب سفيان إلى معاوية يطلب منه الرأي والنصيحة، فنصحه ببناء حصن قريب من طرابلس يأوي الجنود ليلًا ويغزوا طرابلس نهارًا.
نفذ سفيان بن مجيب الأزدي ما أمره به معاوية وبنى حصنًا على بعد ميلين من طرابلس وشدد الحصار عليها. كما وضع حراسًا على الشواطئ لمنع وصول الإمدادات. وبعد أن امتد الحصار لشهور طويلة دون أن يحصل السكان على أي مساعدات، اضطروا للخروج من المدينة على مراكب ليلًا وانتقلوا إلى جزر بيزنطية. وبعد أن أصبحت المدينة خالية من السكان، دخلها المسلمون وسيطروا عليها.
فتح قبرص والجزر البحرية ( أهم فتوحات عثمان بن عفان)
كانت جزيرة قبرص ولاية تابعة للإمبراطورية البيزنطية وسكانها مسيحيين أرثوذكس. وبعدما فتح المسلمين المدن الساحلية، كان البيزنطيون يهجمون عليها من الجزر. لذلك اقترح معاوية بن أبي سفيان على عمر بن الخطاب بركوب البحر وغزو الجزر القريبة، لكنه رفض خوفًا على الجنود المسلمين.
وعندما تولى عثمان الخلافة أعاد معاوية طرح فكرته بسبب استعادة البيزنطيين بعد المدن الساحلية والهجوم عليها مثل الإسكندرية. سمح له سيدنا عثمان بركوب البحر وغزو قبرص على أن يأخذ معه زوجته فاختة بنت قرظة وولده، وألا يجبر الناس على الخروج معه، إلا من تطوع باختياره.
بعدما حصل معاوية على موافقة الخليفة بدأ في تجهيز المراكب وإصلاح ما تبقى من الأسطول البيزنطي، ورمم ثغر عكا وصور. ثم بدأ يكتب لسكان المدن الساحلية كي يتطوعوا للغزوة، وخرج إلى قبرص سنة 28 من الهجرة. وكان معاوية على رأس 120 مركبًا بقيادة عبد الله بن قيس، وبرفقته عدد من الصحابة مثل، عبادة بن الصامت وزوجته أم حرام، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود.
وخلال توجه الأسطول إلى قبرص وجدوا بعض المراكب التابعة للجزيرة محملة بالهدايا، فاستولوا عليها. ثم أغار الجنود على نواحي قبرص وغنموا منها غنائم كثيرة، فاضطر ملكها إلى طلب الصلح. وكانت بنود الصلح تتضمن جزية بمقدار 7 آلاف دينار، وأن يخبروا المسلمين بتحركات البيزنطيين المعادية، كما يعين المسلمون أيضًا بطريرك الجزيرة. ولما وافق الملك رحل المسلمون من قبرص، لكن في سنة 32 من الهجرة، نقض الملك الاتفاقية وساعد البيزنطيين ضد المسلمين. لذلك غزا معاوية قبرص للمرة الثانية سنة 33 من الهجرة، لكن هذه المرة جعل المسلمين يستقرون عليها، وبنى فيها المساجد.
وبعدما فتح المسلمون جزيرة قبرص، تابعوا الفتوحات في باقي الجزر البحرية القريبة من السواحل الإسلامية. وكانت جزيرة رودس وأرواد وكوس أول هذه الجزر.
فتح إفريقية
كان عمرو بن العاص قد فتح برقة وطرابلس في خلافة عمر بن الخطاب، وبعد عزله من ولاية مصر سنة 27 هـ، تولاها عبد الله بن سعد بن أبي السرح. وكان البيزنطيون يسيطرون على إفريقية ( تونس حاليًا)، فأرسل إليها سعد السرايا وجمع المعلومات التي تمهد لفتحها، ثم استأذن عثمان بن عفان في ذلك. وافق عثمان ودعا إلى الجهاد وجهز جيشًا كبير من المتطوعين على رأسه الحارث بن الحكم وأرسله إلى سعد. وكان ممن خرجوا للغزو أيضًا الحسن والحسين، وعبد الله بن عباس. وعندما وصل الجيش إلى الفسطاط انضم إلى جيش عبد الله بن سعد، ليصبح 20 ألف مقاتل، وعندما وصلوا إلى برقة انضم إليهم عقبة بن نافع ومن معه.
صار الجيش الإسلامي بقيادة سعد حتى وصل إلى سبيطلة والتقى بجيش جرجير حاكم إفريقية وكان تعداده 120 ألف جندي. وعندما لم يقبل جرجير باعتناق الإسلام أو دفع الجزية، دخل الجيشان في حرب استمرت عدة أيام، حتى وصل عبد الله بن الزبير بالمدد. وبعد أن قتل المسلمون جرجير وهرب الجنود البيزنطيين، دخل عبد الله بن سعد مدينة سبيطلة ونشر فيها الجنود. ثم واصل السير حتى فتح حصن الأجم جنوب القيروان، لكنه اكتفى بذلك وعاد إلى مصر.
فتح النوبة
كان عمرو بن العاص أول من حاول فتح بلاد النوبة في عهد عمر بن الخطاب، لكنه وجه شعبًا صلبًا ماهرًا في الرمي بالنبال. وكان أهل النوبة يرمون بالنبل ويصيبون أعين المسلمون، فرجع بالجيش وفيه أكثر من 150 عين مفقؤة سنة 21 من الهجرة. وعندما تولى عبد الله بن سعد مصر، قرر فتح النوبة فخرج إليها سنة 31 من الهجرة، لكنه واجه نفس المصير. لذلك طلب منهم الاتفاق وضمن لهم استقلالهم مقابل حماية حدود مصر الجنوبية، وفتح النوبة للتجارة والحصول على الرقيق لخدمة الدولة الإسلامية. ومع الوقت اختلط أهل النوبة بالمسلمين واعتنق معظمهم الإسلام.
المصادر:
البلاذري: فوح البلدان.
ابن كثير: البداية والنهاية، ج7.
تاريخ الطبري، ج4.
ابن عساكر: تاريخ دمشق.
موقع قصة الإسلام: الفتوح في عهد عثمان بن عفان.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *