كان محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه من صغار الصحابة، حيث ولد في عام حجة الوداع. وهو ابن أبي بكر الصديق خليفة رسول الله، وأخته عائشة الصديقة رضي الله عنها. وهو أيضًا ابن الصحابية الجليلة السيدة أسماء بنت عميس. بعد وفاة والده وهو طفل صغير، تزوجت أمه من علي بن أبي طالب فتربى في بيته وصار ولد من ولده. وتزوج رضي الله عنه من بنت كسرى، وابنه الفقيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الذي تربى في بيت عمته عائشة وهو طفل صغير بعد مقتل والده ووالدته في مصر.

 

نسب محمد بن أبي بكر

اسمه: محمد بن عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر. يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب.

أخوته: أسماء بنت أبي بكر، عبد الله بن أبي بكر، عبد الرحمن بن أبي بكر، عائشة بنت أبي بكر، أم كلثوم بنت أبي بكر.

أخوته من أمه: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، محمد الأكبر بن جعفر بن أبي طالب،  عون ‌بن ‌جعفر ‌بن ‌أبي ‌طالب.

أبناؤه: القاسم بن محمد بن أبي بكر.

 

دوره في فتنة  عثمان بن عفان

أشار البعض أن محمد بن أبي بكر كان الصحابي الوحيد الذي شارك مع الثوار في قتل عثمان بن عفان، لكن هذه الشبهة مردود عليها وغير صحيحة.  فعندما سئل حسن البصري عن الأمر وقيل له: أكان فيمن قتل عثمان أحد من المهاجرين والأنصار؟ قال: كانوا أعلاجًا من أهل مصر.

وما يجعل البعض يوجه التهم إلى محمد بن أبي بكر في قصة مقتل عثمان رضي الله عنه، هو ما حدث معه خلال ذهابه إلى مصر واليًا عليها بأمر عثمان. وما حدث كالتالي:

كانت سياسية سيدنا عثمان المالية وتعيينه لأقاربه أسبابًا قوية جعلت المعارضين يخرجوا عليه من معظم الولايات. وفي الكوفة ثار الناس على سعيد بن العاص وطالبوا بتعيين أبي موسى الأشعري. وفي مصر طالبوا بعزل عبد الله بن أبي السرح، وخرجت الوفود من مصر والكوفة والبصرة إلى المدينة المنورة. وبالفعل تم عزل سعد من ولاية مصر وتعيين محمد بن أبي بكر مكانه، وبعد ذلك عاد الناس إلى بلادهم.

وعندما تم السيطرة على الوضع، ظهرت أصابع الفتنة كي تعيد تأجيج نار التمرد والثورة. فبينما كان محمد بن أبي بكر في طريقه إلى مصر، وجد رسولًا من عثمان يحمل رسالة إلى والي مصر بقتل المعارضين عند عودتهم. وهنا أرسل المصريون إلى أهل العراق بالعودة وعادوا جميعًا إلى المدينة المنورة بنار الانتقام.

عندما وصل المتمردون إلى عثمان ألقوا أمامه بالرسول، وقالوا له: هل هذا غلامك؟، فقال: نعم، لكنه انطلق بغير علمي. ثم قالوا: هل هذا جملك؟، فقال: نعم، أخذه من الدار بغير أمري. ثم قالوا: هل هذا ختمك؟، فقال: نقش عليه. وهنا تظهر رسالة لم يكتبها خليفة المسلمون مع غلامه ومختومة بختمه دون علمه، هدفها إشعال الفتنة بعدما تم السيطرة عليها ومعالجة الأمر.

بهذه الطريقة نجح الخونة والذين يظهرون الإسلام ويضمرون له العداء في النيل من خليفة الدولة الإسلامية. وتمت الوقيعة بينه وبين محمد بن أبي بكر الذي ظن أن عثمان رضي الله عنه نصب مكيدة لأهل مصر بعد أن أعطاهم الأمان. وتشير معظم المصادر إلى اليهود والمجوس الذين انتشروا في المدينة المنورة.

 

هل كان محمد بن أبي بكر ممن قتلوا عثمان بن عفان؟

لما تجمع المعارضون مرة ثانية ارتفعت سقف مطالبهم إلى عزل عثمان وتعيين خليفة جديد. ولما رفض مطالبهم اعتصموا في المدينة المنورة وحاصروا بيته. وهنا أرسل سيدنا عثمان إلى ولاته على الأقاليم وطلب منهم الدعم لقمع الثوار، فعلم محمد بن أبي بكر والثوار بالأمر فزادت حدتهم عليهم، وسارعوا إلى النيل منه قبل وصول الجيوش.

وبينما كان عثمان يقرأ في المصحف يوم 18 من ذي الحجة سنة 35 من الهجرة، قام رأس من رؤوس الفتنة وكان يدعى كنانة بن بشر التجيبي بحرق باب بيته. ثم دخل رجل آخر، قيل أنه عبد الله بن سبأ فخنقه حتى ظن أنه مات.

ثم دخل عبد الرحمن بن أبي بكر وكان مستاءً من عثمان بسبب الرسالة فوجده حيًا فقال له “على أي دين أنت يا نعثل؟” فقال: “على دين الإسلام، ولست بنعثل، ولكني أمير المؤمنين”. فقال عبد الرحمن: “غيرت كتاب الله”. فرد عثمان: ” كتاب الله بيني وبينكم”. ثم تقدم عبد الرحمن وأمسكه من لحيته وقال: إنا لا نقبل أن نكون يوم القيامة مما يقول {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ}.

كان عبد الرحمن يظن أن خلع عثمان هو طاعة لله تعالى ونجاة من النار. ولما قال له سيدنا عثمان “يا ابن أخي إنك أمسكت لحية كان أبوك يكرمها”، تركه محمد وبكى بكاءً شديدًا وفاق من غفلته وانصرف عنه. وعندما خرج رأى الثوار يدخلون لقتله، فأمسك سيفه ودافع عن عثمان لكنه لم يستطع منعهم. وعلى الرغم من منع عثمان للصحابة من الاشتباك أو الدفاع عنه، لكن لم يتحمل بعضهم ذلك فدافع عنه عبد الله بن الزبير والحسن والحسين وبعض غلمانه.

وكان الملعون كنانة بن بشر أول من ضربه بالسيف فقطع يده، ثم ضربه على رأسه وتناثر دمه على المصحف. وتذكر جميع الروايات التاريخية أن دماءه سقطت على كلمة {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} [البقرة:137].  ولما حاولت زوجته نائلة بنت الفرافصة حمايته، نزل سيف كنانة على أصابعها فقطعتها، فضربه ضربة في صدره. ثم طعنه سودان بن حمران في بطنه طعنة أدت إلى موته رضي الله عنه. ثم دخل عمرو بن الحمق، وطعنه في صدره تسع طعنات.

وبعدما قتله الخوارج انتشروا في بيته ونهبوه ولم يتركوا فيه شيء، ثم حاولوا الاستيلاء على بيت مال المسلمين. وهذا أكبر دليل على أن همهم المال والسلطة وليس الإصلاح كما قالوا.

 

مقتل محمد بن أبي بكر

كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قد سلم ولاية مصر لمحمد بن أبي بكر الصديق سنة 37 من الهجرة. لكنه التقى بجيش معاوية بن حديج وهو قائد عسكري حليفًا لبني أمية، فتعرض للهزيمة ثم اختفى في أحد البيوت المصرية. ولما علم معاوية مكانه ظل يطارده حتى عثر عليه وقتله انتقامًا لمشاركته في دم عثمان، رغم اتفاق أهل العلم على براءة محمد.

وذكرت إحدى الروايات أنه قال له “قتلت ثمانين من قومي في دم الشهيد عثمان، وأتركك وأنت صاحبه! فقتله، ودسه في بطن حمار ميت، وأحرقه”. لكن هذه الرواية أبطلها معظم أهل العلم.

وكانت وفاة محمد بن أبي بكر سنة 658 ميلاديًا، وعمره 27 سنة تقريبًا.

 

 

 

المصادر:

الأصفهاني: معرفة الأصحاب.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

عبد الحميد العابدي: دراسات في التاريخ الإسلامي.

ابن كثير: البداية والنهاية ج7.

ابن الأثير: الكامل بالتاريخ.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

البلاذري: فتوح البلدان.

 

 

 

 

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات