كانت معركة ذات الصواري أول معركة بحرية يخوضها المسلمون بعدما قاموا ببناء أول أسطول بحري إسلامي في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه. كان ركوب البحر مغامرة كبيرة وغير محبة أو مألوفة بالنسبة للمسلمين، فقد اعتادوا على الحروب البرية في الصحراء. ولم يكن المسلمون يملكون أي خبرة في أمور البحر، حتى أن عمر بن الخطاب منع الجيش من خوض أي معارك بحرية خوفًا عليه من الهلاك. لكن الوضع تغير في عهد عثمان بن عفان، وسمح للفتوحات الإسلامية بغزو الجزر، وبنى السفن الحربية أيضًا.
لماذا سميت معركة ذات الصواري بهذا الاسم؟
اختلف المؤرخون في سبب تسمية المعركة بذات الصواري على رأيين:
الرأي الأول: بسبب كثرة صواري السفن سواء في الأسطول الإسلامي أو الأسطول البيزنطي.
الرأي الثاني: أن التسمية تعود إلى المكان الذي حدثت فيه المعركة، وهو ما يميل إليه الأغلبية. ويدعم هذا الرأي قول الطبري “فركب من مركب وحده ما معه إلا القبط حتى بلغوا ذات الصواري، فلقوا جموع الروم في خمسمائة مركب أو ستمائة”. وقال بن الأثير أيضًا “وأقام عبد الله بن سعد بذات الصواري بعد الهزيمة أياماً ورجع”.
قوة الأسطول البيزنطي
كانت الإمبراطورية البيزنطية صاحبة السيادة والسيطرة على البحر الأبيض المتوسط في العصور الوسطى. وكانت تمتلك أسطولًا ضخمًا ليس له منافس في المتوسط، من شواطئ دول البلقان وحتى أسيا الصغرى. ففي الشرق كانت تسيطر على شواطئ فلسطين وسوريا، وفي الجنوب شواطئ مصر وجنوب أفريقيا. كما وصل نفوذ الأسطول البيزنطي في فترة محدودة حتى ساحل إسبانيا القوطية.
وكانت بيزنطة تمتلك قواعد بحرية ودورًا لصناعة السفن في أغلب مدن العالم التي تفرض سيطرتها عليها مثل، الإسكندرية وعكا وصقلية والقسطنطينية. كما كانت تمتلك أيضًا سفنًا تجارية خاصة بنقل المؤن. وهذا يعني أنها كانت تسيطر على جميع منافذ البحر، مما يصعب دخول أي قوة خارجية بدون الحصول على إذن.
حالة الأسطول الإسلامي
مثلما كان البيزنطيون أسياد الحروب في البحر، كان المسلمون أسياد حروب الصحراء ولم يكن لهم أي خبرة أو تجربة في خوض أي معارك بحرية. وكان معاوية بن أبي سفيان أول من عرض فكرة ركوب البحر على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والذي بدوره عارضه بشدة خوفًا على إرسال الجنود إلى مصير مجهول.
وبعدما تولى عثمان بن عفان الخلافة أعاد معاوية طرح فكرته خاصة بعد هجوم البيزنطيين على السواحل التي أصبحت ضمن حدود الدولة الإسلامية، واستعادتهم للإسكندرية مرة ثانية. وافق سيدنا عثمان رضي الله عنه، على فكرة معاوية وبدأ المسلمون يجهزون أول أسطول بحري إسلامي كي يخوضوا أول معركة بحرية إسلامية.
في البداية كان الأسطول الإسلامي يتكون من بعض السفن البيزنطية التي تركوها خلفهم في الشام ومصر. ثم بدأ المسلمون في ببناء السفن في دور الصناعة، لينشأ سلاح جديد في العسكرية الإسلامية لأول مرة في التاريخ.
أسباب معركة ذات الصواري
كان من الطبيعي ألا تقف الإمبراطورية البيزنطية مكتوفة الأيدي أمام وجود قوة بحرية ناشئة أصبحت تشاركهم القوة في البحر المتوسط. حيث بدأ المسلمون يغزون الجزر القريبة من أجل حماية السواحل الشامية والمصرية. وهنا بدأ قسطنطين الثاني في إعداد أسطولًا كبيرًا مكون من 800 سفينة شراعية، كي يردع المسلمين ويخرجهم من البحر.
ولا ننسى طبعًا هزائم بيزنطة المتتالية وخسارتهم لأراضيهم في المنطقة العربية وشمال أفريقيا على يد جيش الدولة الإسلامية. لم يكن سهلًا أبدًا على امبراطورية صمدت قرونًا طويلة وكان لها السيادة على رقعة كبيرة من الكرة الأرضية، أن تنهزم وتخسر وتتضاءل لحساب قوة صغيرة ناشئة.
كانت خسارة شمال أفريقيا بداية من مصر ثم ليبيا ثم تونس وطرد الحامية الرومية من كل المدن، بالإضافة إلى السبي والقتل الذي قام به المسلمون، سببًا كافيًا لتأجيج نار الانتقام. ووجد البيزنطيون أن البحر أفضل مكان لاسترداد هيبتهم وإلحاق الأذى بالمسلمين. فقد كانوا يرون أنهم أسياد البحر بلا منازع، وهم بالفعل كانوا كذلك.
وحسب المؤرخ البيزنطي تيوفانس، فإن البيزنطيين كانوا على علم برغبة المسلمين في غزو القسطنطينية، لذلك حاولوا إجهاض هذه المحاولة عن طريق معركة ذات الصواري. بينما يرى أرشيبالد لويس أن سبب المعركة هو محاولة البيزنطيين منع المسلمين من الحصول على الأخشاب اللازمة لصناعة السفن. حيث دارت المعركة في ساحل الأناضول الذي ينتشر فيه شجر السرو المستخدم في صناعة السفن.
أحداث المعركة
أرسل معاوية بن أبي سفيان المراكب من الشام تحت قيادة بسر بن أرطأة، وخرج عبد الله بن أبي السرح بمراكب مصر وتولى قيادة المعركة. وكان عدد سفن المسلمين 200 سفينة، بينما وصل عدد سفن البيزنطيين إلى 1000 سفينة. التقى الأسطولان في عرض البحر سنة 35 من الهجرة، وعلى الرغم أن المسلمين عرضوا على الروم القتال في البر، لكنهم تمسكوا بالبحر لتيقنهم أنهم سوف يهزمون المسلمين فيه.
بات المسلمون أول ليلة لهم في عرض البحر وهم يصلون ويتهجدون ويدعون. وعندما حلَّ الصباح استشار عبد الله بن أبي السرح الصحابة واتفق معهم على أن يجعلوا المعركة برية. ولجأ إلى حيلة ذكية، حيث أمر الجنود بالنزول في الماء وربط السفن بسفن الروم، بحيث اجتمعت 1200 سفينة مثل القطعة الواحدة، وصارت كأنها أرض يابسة. ثم قام بصف الجنود على السفينة، وذكرهم بفضل الجهاد وتلا عليهم آيات من سورة الأنفال فاشتدت عزيمتهم.
انقض الروم على صفوف المسلمين، وتساقطت الجثث من كلا الطرفين بعدد لا يحصى. وعلى الرغم أن البيزنطيين كانوا يعتقدون أن النصر حليفهم، لكن حدث العكس وكانت الحرب قاسية عليهم أيضًا. لدرجة أن المؤرخ البيزنطي ثيوفانس وصف هذه المعركة بأنها كانت مثل اليرموك بالنسبة للروم. ويقول الطبري أن الدماء كانت تغطي مياه البحر بشكل غير طبيعي.
حاول الروم سحب السفينة الخاصة بقائد المسلمين عبد الله بن أبي السرح، حتى يتخلصوا منه ويبقى الجيش الإسلامي بلا قائد. لكن علقمة بن يزيد الغطيفي ألقى بنفسه وضرب السلسة بسيفه، فأنقذ قائد المسلمين وسفينته.
صمد المسلمون بشكل أذهل البيزنطيين الذين باءت آمالهم بالفشل، فتعرضوا للهزيمة وكاد قائدهم قسطنطين أن يقع في الأسر، لكنه فرَّ هاربًا من أرض المعركة إلى جزيرة صقلية.
نتائج المعركة
كانت لمعركة ذات الصواري أول معركة بحرية للمسلمين نتائج عظيمة كالتالي:
أثبت المسلمون كفاءتهم في البحر مثلما أثبتوها في البر، وشعروا بقوتهم البحرية والاعتزاز بسلاح عسكري جديد لم يكن مألوفًا لهم من قبل. وبعدما كانوا يخشون البحر ويهابون ركوبه، أصبحوا أسياده لقرون طويلة.
خسر البيزنطيون الطريقة الوحيدة لاسترداد هيبتهم وفرصة الانتقام لهزائمهم وخسارتهم الشام ومصر وشمال أفريقيا. والأهم أنهم فقدوا هيمنتهم على البحر المتوسط بعد قرون طويلة، لدرجة أنه كان عبارة عن بحيرة رومية.
كانت معركة ذات الصواري بداية رائعة لسيطرة الدولة الإسلامية على البحر المتوسط وفتح العديد من الجزر. وبعد أن كان المتوسط بحيرة رومية أصبح بحيرة إسلامية، لكن استخدمه المسلمون للفتح وإعلاء كلمة الله، وليس للقرصنة والنهب.
بدأ المسلمون يحدثون أشياء جديدة في صناعة السفن وأساليب القتال البحرية، حتى أنهم طوعوا علوم الفلك لخدمة البحرية الإسلامية.
المصادر:
ابن كثير: البداية والنهاية.
د. عبد العزيز عبد الله الحميدي: التاريخ الإسلامي مواقف وعبر.
تاريخ الطبري.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
موقع قصة الإسلام: معركة ذات الصواري.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *