يقول بعض العلماء أن كلمة الخوارج تشمل كل من خرج على الإمام الذي اجتمعت عليه الجماعة، سواء كان الخروج في عهد الصحابة أو التابعين لهم في كل زمان. لكن غالبية العلماء يعرفون الخوارج بأنهم الذين خرجوا على الإمام علي ولم يرضوا بالتحكيم. ويعد الخوارج أول حزب سياسي ديني وقفوا في وجه السلطة وسلكوا طريقًا دمويًا، وهم أقدم فرقة إسلامية. مع الوقت انقسموا إلى فرق كثيرة، كما تعددت أسمائهم، فأطلق عليهم الخوارج، والحرورية، والشراة، والبغاة، والشكاكية، والمكفرة، والمارقة، والمحكِّمة، والنواصب، وأهل النهروان.

 

نشأة الخوارج

أغلب أهل العلم قالوا بأن الخوارج هم الطائفة التي خرجت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولم ترض بالتحكيم. وكان خروجهم السبب في إطلاق لفظ الخوارج عليهم.

لكن هناك من يرى أن بداية ظهور الخوارج كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذا الخويصرة أول الخوارج. حيث اعترض على قسمة النبي لذهب أرسله علي من اليمن، فقال  “يا رسول الله، اتق الله! قال النبي: “ويلك! أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله. ولما سمعه سيدنا خالد بن الوليد أراد أن يضرب عنقه، لكن النبي منعه وقال له “لا، لعله أن يكون يصلي”، فقال خالد: وكم من مصلٍ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال النبي “إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم”، ثم نظر صلى الله عليه وسلم إليه فقال “إنه يخرج من ضِئْضِئِ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”

وهناك أيضًا من العلماء من يرى أن الخوارج ظهروا في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه. فهم الذين تمردوا عليه وتجمعوا من مصر والكوفة والبصرة، وحاوطوا بيته وقتلوه وهو يقرأ في المصحف.

لكن الرأي الراجح أن الخوارج هم الذين لم يقبلوا بالتحكيم وخرجوا على خليفة المسلمين علي بن أبي طالب. ثم تجمعوا وشكلوا طائفة في النهروان فقاتلهم فيها.

 

تنبأ النبي بالخوارج وذمهم

هناك الكثير من الأحاديث التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم، الخوارج وتنبأ بظهورهم. وذمهم رسول الله وأوضح أنهم فئة مارقة، وفي بعض الروايات أنه قال “لأن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل ثمود”.

عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد على قومه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم”. قالوا: يا رسول الله، ما سيماهم؟ قال: التحليق.

وفي رواية أخرى، قال سيماهم: “التحليق والتسبيد، فإذا رأيتموهم فأنيموهم”، والتسبيد هو استئصال الشعر.

 

فرق الخوارج

ذكر البغدادي أن الخوارج انقسموا إلى عشرين فرقة. وكان لهم اعتقادات معينة مثل: الاعتقاد بإمامة أبي بكر وعمر وتكفير علي وعثمان، وتكفير كل من وافق على التحكيم. وكانوا يكفرون أي مرتكب لكبيرة، ووصل الأمر بالأزارقة أنهم نعتوا جميع من يخالفهم من المسلمين بأنهم مشركين. كما تمسكوا بفكرة أن الخلافة لا يجب حصرها في قوم، بل يحق لكل مسلم صالح أن يكون الخليفة. وأيضًا يرون وجوب الخروج على أئمة الفسق والجور.

ورغم اتفاقهم على نفس العقيدة لكن فرقتهم خلافات فرعية بسيطة. ومع الوقت ظهرت الكثير من الفرق وانتسبت إلى أحد الخوارج، ومن أشهر الفرق: الخوارج الأزارقة، الصفرية، النجدات، الميمونية، البيهسية، الثعالبة، الأخنسية، العجاردة، الإباضية.

وقد انقرضت كل هذه الفرق، ولم يبقى سوى الإباضية إلى يومنا هذا، فقيل أنهن يشكلون 70% من سكان دولة عمان، كما يتمركزون في بعض مناطق تونس والجزائر. ومع ذلك ينفي الإباضية اليوم أي صلة لهم بالخوارج.

 

الخوارج في عهد علي بن أبي طالب

بعد أن اتفق أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص على بنود وثيقة التحكيم خلال معركة صفين. خرج الأشعث بن قيس وقرأ الكتاب على جيش علي، فخرج له رجل يدعى عروة بن جرير من بني تميم، وقال له “أتحكمون الرجال في دين الله؟”. ثم ظهرت طائفة تتبع ما قاله ورأت أنه ليس من الصواب أن يتم التحكيم بين أمير المؤمنين ومعاوية الذي يجب قتاله لخروجه على الخليفة. وكانت هذه الطائفة من القراء والحفاظ ، الذين يقيمون الليل ويكثرون من النوافل، ووصل عددهم إلى 12 ألف رجل. وكان أكثر رجال الطائفة من قرية يقال لها “حروراء”.

ذهب على بن أبي طالب إليهم، ليحاورهم ويعيدهم إلى الصواب، لكنهم رأوا أنه أخطأ عندما أوقف قتال معاوية، وعندما رضى بتحكيم الرجال في أمر الله، وعندما تنازل عن لقب أمير المؤمنين خلال كتابة الوثيقة. ودارت بينه وبينهم محاورة، استشهد خلالها علي بكتاب الله ومواقف رسول الله يوم صلح الحديبية، لكنهم لم يتراجعوا عن موقفهم.

حاول علي معهم مرة ثانية، فأرسل إليهم عبد الله بن عباس وظل يحاورهم ثلاثة أيام، حتى اقتنع منهم 4 آلاف رجل وتابوا. أما البقية فظلوا على موقفهم، ووصل بهم الأمر إلى سب علي وتكفيره.

 

تجمع الخوارج في النهروان

ظل الخوارج يسببون الفوضى في الكوفة، وفي يوم كان علي رضي الله عنه، يخطب بالمسجد، فقام له رجل وقال “لا حكم إلا لله”. فقال علي “الله أكبر! كلمة حق أريد بها باطل، أما إن لكم عندنا ثلاثًا ما صحبتمونا، لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدءونا، وإنما فيكم أمر الله”.

وبعد خروجهم من المسجد اجتمعوا في دار عبد الله بن وهب الراسبي، وتشاوروا في ضرورة الخروج من الكوفة واختيار بلد يتجمعون فيها لتنفيذ حكم الله. في البداية وقع اختيارهم على المدائن لكن اتفقوا على قوة حصونها وأنهم لن يستطيعوا البقاء فيها. ثم وقع اختيارهم على النهروان وهي بلدة بين حلون وبغداد، فخرج إليها خوارج الكوفة والبصرة في نفس الوقت وتجمعوا بها.

وبعد عدم الوصول إلى نتيجة في قضية التحكيم، قيل أن علي رضي الله عنه أراد الخروج لقتال معاوية، وكتب للخوارج بالنهروان كي ينضموا إلى جيشه. لكنهم رفضوا ذلك وقالوا له “إنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك، وإلا فقد نبذناك على سواء إن الله لا يحب الخائنين”.

 

سفك الخوارج لدماء المسلمين

ظل الخوارج بالنهروان دون أي حراك، حتى علموا بخروج علي بن أبي طالب من الكوفة، فأرادوا استغلال الفرصة لدخولها. وخلال عودتهم وجدوا الصحابي الجليل الخباب بن الأرت، فقتلوه هو وزوجته الحامل و3 نساء من قبيلة طئ. لقد ذبحوا الخباب كما تذبح الشاة وبقروا بطن زوجته الحامل، وبدأوا بسفك دماء المسلمين وأثاروا الرعب بين الناس. حتى أن بعضهم اعترضوا على ذلك وقالوا “ويلكم ما على هذا فارقنا عليًّا”.

أرسل إليهم علي بن أبي طالب كي يسلموا القتلة لتنفيذ القصاص عليهم، لكنهم رفضوا وازدادوا عنادًا واستكبارًا. وهنا خرج إليهم أمير المؤمنين بجيشه في شهر محرم سنة 38 من الهجر. وعسكر غرب نهر النهروان، بينما الخوارج على الضفة الشرقية.

ورغم أفعالهم ووصول الجيش لقتالهم، لكن أرسل إليهم أمير المؤمنين من يراجعهم ويطلب منهم التوبة والعودة إلى صفوف المسلمين. فأرسل إليهم البراء بن عازب، وظل يدعوهم 3 أيام ويرسل الرسل، لكنهم قتلوا الرسل وعبروا النهر.

 

معركة النهروان

رتب أمير المؤمنين الجيش، فجعل على الميمنة حجر بن عدي، وعلى الميسرة معقل بن قيس وشبث بن ربعي. وجعل على الرَّجَّالة أبا قتادة الأنصاري، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري. وكان قيس بن سعد بن عبادة على أهل المدينة البالغ عددهم 700 رجل. ثم أمر علي أبا أيوب أن يرفع راية أمان للخوارج، وقال لهم “من جاء إلى هذه الراية فهو آمن، ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن، إنه لا حاجة لنا فيكم إلا فيمن قتل إخواننا”. وكان الخوارج تقريبًا يوم النهروان 4 آلاف، فانصرفوا ولم يبقى سوى ألف رجل فقط مع عبد الله بن وهب الراسبي.

صف علي الجيش يوم 9 صفر سنة 38 من الهجرة، وأمرهم ألا يبادروا بقتالهم، لكن أقبل الخوارج يقولون “لا حكم إلا لله، الرواح الرواح إلى الجنة”. نشب القتال ولم يستمر طويلًا، وسقط كل الخوارج، ولم يستشهد من جيش علي سوى رجلان، وقيل 12 رجل.

 

 

المصادر:

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

ابن كثير: البداية والنهاية.

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

ابن حجر العسقلاني: فتح الباري.

البلاذري: أنساب الأشراف.

موقع قصة الإسلام: الخوارج.

موقع قصة الإسلام: التحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما

 

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات