هناك الكثير من الروايات حول وفاة عمر بن عبد العزيز. وأيًا كان سبب وفاته، فقد فقدت الدولة الأموية والعالم الإسلامي أفضل خليفة بعد الخلفاء الراشدين. فقد كان يسير على نهجهم ويتتبع طريقتهم في الحكم، وكان يشبه بالأكثر جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وربما كان عدله وتسليطه لسيفه على رقاب الظالمين من بني أمية سببًا في انتهاء حياته مبكرًا وهو ما زال في الأربعين من عمره.
كيف مات عمر بن عبد العزيز؟
تقول بعض الروايات أن سبب وفاة عمر بن عبد العزيز، مرضه بسبب خوفه من الله واهتمامه بأمر رعيته. وهناك من يقول أنه مات بسبب السل.
لكن الأشهر هو موته مسمومًا، حيث سقاه أمراء بني أمية السم بسبب سياسته العادلة ورده للمظالم التي أفقدتهم الكثير من أملاكهم. وقد عاملهم عمر مثلهم مثل الناس، فلم يميزهم بشيء، لذلك خسروا الكثير من الامتيازات والملذات التي منحها لهم الخلفاء السابقون.
قال أرطاة: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو جعلت على طعامك أمينًا لا تغتال، وحرسًا إذا صليت، وتنح عن الطاعون. قال: “اللهم إن كنت تعلم أني أخاف يومًا دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي”.
وهناك رواية تقول أنهم وعدوا غلامه بألف دينار وبعتقه من العبودية إن دس له السم. فلما خاف الغلام، قاموا بترهيبه وتهديده بالقتل، فاضطر إلى وضع السم في شراب عمر. ولما شربه عمر، شعر به منذ أن وقع في بطنه.
يقول مجاهد: قال لي عمر بن عبد العزيز: “ما يقول الناس فيّ؟”، قلت: “يقولون إنك مسحور”، قال: “ما أنا بمسحور، وإني لأعلم الساعة التي سقيت فيها”. ثم دعا غلامه فقال له: “ويحك ما حملك على أن تسقيني السم؟”، فقال الغلام: “ألف دينار أعطيتها وعلى أن أعتق”، قال: “هات الألف”، فجاء بها فألقاها عمر في بيت المال وقال: “اذهب حيث لا يراك أحد”.
سياسته مع أمراء بني أمية
بعد دفنه لسليمان بن عبد الملك، توجه إلى أمراء بني أمية وطلب منهم تسليم كل شيء أخذوه بغير حق. فبعدما فعلوا ذلك وجدوا أنفسهم بلا شيء، ولم يبقى في أيديهم سوى حقهم المشروع وهو شيء قليل.
حاول أمراء بني أمية تغيير قرار عمر، فلما عجزوا لجأوا إلى عمته فاطمة بنت مروان. لكن ذكرها عمر بعهد النبي وأنه ترك للمسلمين نهرًا، فحافظ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على هذا النهر. أما أمراء بني أمية من أبناء يزيد ومروان وعبد الملك وأبناءه الوليد وسليمان، فقد شربوا النهر حتى جف. فذهبت إليهم فاطمة وأخبرتهم بكلامه، وفي رواية أنها قالت لهم: “أنتم فعلتم هذا بأنفسكم، تزوجتم بأولاد عمر بن الخطاب فجاء يشبه جده. فسكتوا”.
وفي يوم جاءه رجال من المسلمين يشكون روح بن الوليد بن عبد الملك في حوانيت. فأمر عمر برد الحوانيت، وطلب من حارسه أن يتتبع روح، فإن لم يردها فليضرب عنقه، فرد إليهم حوانيتهم.
وكان الوليد بن عبد الملك قد أخذ أرضًا من أعراب قد أحيوها، ثم وهبها لأهله. فرد عمر الأرض للأعراب وقال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من أحيا أرضاً ميتة فهي له”.
وهناك واقعة أخرى تبين عزم عمر بن عبد العزيز على رد جميع المظالم. في يوم أرسل إليه والي البصرة رجلًا قد اغتصبت منه أرضه، فردها له. وقال عمر للرجل “كم أنفقت في مجيئك إلي؟”، فقال الرجل: “يا أمير المؤمنين، تسألني عن نفقتي وأنت قد رددت علي أرضي وهي خير من مائة ألف؟”، فقال عمر: “إنما رددت عليك حقك”. ثم أمر له بـ60 درهمًا تعويضًا عن ما أنفقه خلال سفره.
تاريخ وفاة عمر بن عبد العزيز
مات عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة في شهر رجب سنة 101 هـ، بعد أن استمر مرضه 20 يومًا. وقد مات في دير سمعان في أرض معرة النعمان بالشام. وكان عمره عند وفاته 40 عامًا على أصح الروايات.
وقد مات عمر ولم يترك لأولاده شيئًا، فقد ترك خلفه 14 ولدًا، وتركة 17 دينار. كان كفنه بخمسة دنانير، وقبره بدينارين، وقسم الباقي على أبنائه. وهذا بالطبع عكس ما تركه باقي الخلفاء لأبنائهم من تركات طائلة.
وكان يزيد بن عبد الملك هو ولي العهد بعد عمر بن العزيز، وقد عينه سليمان بن عبد الملك. وقد كتب له عمر قبل وفاته وصية جاء فيها: “عليك بتقوى الله والرعيةَ الرعيةَ، فإنك لن تبقى بعدي إلا قليلًا حتى تلحق باللطيف الخبير”.
المصادر:
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
ابن كثير: البداية والنهاية.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن عساكر: تاريخ دمشق.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
ابن الحكم: سيرة عمر بن عبد العزيز.
ابن الجوزي: سيرة عمر بن عبد العزيز.
البلاذري: أنساب الأشراف.
البلاذري: فتوح البلدان.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق