وقعت معركة الزاب الكبرى، في 11 جمادى الآخرة عام 132 هـ الموافق 25 يناير 750 م. وتُعد من أبرز المعارك في التاريخ الإسلامي، حيث أدت إلى سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية. وشهدت المعركة نهاية آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد، وهروبه إلى مصر ثم قتله هو وأمراء بني أمية على يد العباسيين.

 

أسباب المعركة

في أواخر عهد الدولة الأموية، شهدت الخلافة تراجعًا ملحوظًا في قوتها، خاصة خلال حكم الخليفة مروان بن محمد. وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية والسياسية، مما أدى إلى اندلاع ثورات في مناطق مختلفة، أبرزها ثورة الخراسانيين بقيادة أبو مسلم الخراساني، الذين دعموا الدعوة العباسية.

وكانت الثورة العباسية حركة سياسية هدفها إسقاط الدولة الأموية وتأسيس الدولة العباسية، وقد نجحت في ذلك عام 132 هـ. وقد بدأت الدعوة العباسية سرًّا واستمرت نحو 28 سنة، من سنة 100 هـ إلى 128 هـ. حيث قام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالدور الأكبر في تنظيمها. ثم أعلن أبو مسلم الخراساني بدء الثورة في خراسان، مستغلًا استياء السكان المحليين من الحكم الأموي.​

وكان لقيام هذه الثورة الكثير من الأسباب، كالتالي:

التمييز العرقي: حيث اعتمدت الدولة الأموية بشكل كبير على القبائل العربية، مما أدى إلى استياء الموالي (المسلمين غير العرب) الذين شعروا بالتهميش.

الظلم الاجتماعي والاقتصادي: انتشرت حالة من السخط بسبب سياسات بعض الولاة الأمويين، مما أدى إلى تزايد المعارضة.​

الصراعات الداخلية: شهدت الفترة الأخيرة من الحكم الأموي نزاعات داخلية وانقسامات بين القبائل العربية، مما أضعف الدولة ومهّد الطريق للثورة.

 

أحداث معركة الزاب

بعد أن قام العباسيون بثورة كبيرة في خراسان، وأعلنوا خروجهم على بني أمية، امتدت الثورة حتى وصلت إلى العراق والشام. ولما نجحوا في الاستيلاء على معظم البلاد، هرب مروان بن محمد إلى نهر الزاب القريب من الموصل. ثم علم أن أبو العباس السفاح قد حصل على بيعة الناس بالكوفة.

كلف السفاح عمه عبد الله بن علي بالقضاء على مروان بن محمد. فخرج على رأس جيش، وتقاتل مع جيش مروان في جمادى الآخر سنة 132 هـ. وفي نهاية المعركة تعرض مروان لهزيمة كبيرة، وفرّ هاربًا، وقد لاحقه عبد الله بن علي بأمر من السفاح.

وظل مروان بن محمد يهرب من بلدٍ إلى بلد حتى وصل مصر. لكن لاحقه العباسيون حتى قتلوه في شهر ذي الحجة سنة 132 هـ. ومات آخر خلفاء بني أمية وعمره 60 عامًا، بعد أن جلس على عرش بني أمية أقل من 6 سنوات.

ثم لاحق بني العباس أمراء بني أمية في كل مكان وقتلوهم جميعًا. ولم ينجح بالفرار سوى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ( عبد الرحمن الداخل)، الذي هرب إلى الأندلس وأحيا بني أمية من جديد.

 

نتائج معركة الزاب

سقوط الدولة الأموية: بعد الهزيمة فرّ مروان بن محمد إلى مصر، حيث قُتل في مدينة أبي صير، مما أدى إلى نهاية حكم بني أمية في الشام.

قيام الدولة العباسية: تولى أبو العباس السفاح الخلافة، ليصبح أول خليفة عباسي، مؤسسًا بذلك الدولة العباسية التي استمرت لعدة قرون. ​

تغيير مركز الحكم: نقل العباسيون عاصمة الخلافة من دمشق إلى بغداد، مما أدى إلى تحول في مركز الثقل السياسي والثقافي في العالم الإسلامي.

 

تأسيس الإمارة الأموية في الأندلس

بعد سقوط الدولة الأموية عام 132هـ وتعرض الأمويون للملاحقة والقتل من قبل العباسيين. لكن كان عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، المعروف بعبد الرحمن الداخل، أحد الناجين من هذه الملاحقات. حيث فرّ من الشام بعد مقتل أفراد عائلته، متجهًا نحو المغرب العربي. تنقل بين فلسطين ومصر وأفريقيا الشمالية، حيث لجأ إلى قبائل البربر، مستفيدًا من نسب والدته البربرية. ​

في ذلك الوقت، كانت الأندلس تعاني من الفوضى والصراعات الداخلية بين القبائل العربية والبربرية، مما أضعف الحكم المركزي. رأى عبد الرحمن في ذلك فرصة لإعادة إحياء الحكم الأموي في الأندلس. بعد اتصالات مع أنصاره وموالي بني أمية في الأندلس، عبر البحر إلى هناك عام 138هـ. وتمكن من حشد التأييد من بعض القبائل والعشائر، وخاض معركة حاسمة على نهر الوادي الكبير ضد الحاكم المحلي يوسف الفهري، انتهت بانتصاره ودخوله قرطبة، حيث أسس إمارة أموية مستقلة.

بعد استقرار حكمه، عمل عبد الرحمن الداخل على تعزيز الاستقرار الداخلي، وأنشأ جيشًا قويًا متنوع العناصر بين العرب والبربر. كما اهتم بتطوير الاقتصاد، والزراعة، والبنية التحتية، مما ساهم في ازدهار الأندلس وتحولها إلى مركز حضاري بارز في أوروبا.

لذلك يُعتبر عبد الرحمن الداخل المؤسس الفعلي للدولة الأموية في الأندلس. استمر حكمه لمدة 33 عامًا، نجح خلالها في ترسيخ أركان دولته وتوطيد الأمن والاستقرار، مما مهد الطريق لازدهار الحضارة الإسلامية في الأندلس لقرون لاحقة.

 

 

 

 

المصادر:

ابن كثير: البداية والنهاية.

ابن عساكر: تاريخ دمشق.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

ابن عذارى: البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب.

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات