الصحابي الجليل المثنى بن حارثة الشيباني رضي الله عنه، من سادة الجاهلية والإسلام. وكان من أهل العراق ومن كبارة قادة العرب، ومن أشراف قبيلته، تميز بإدارته المتميزة للمعارك وبرجاحة عقله. وفي الجاهلية أغار على بني تغلب عند الفرات، فظفر بهم وقتل محاربيهم وقسم أموالهم بين أصحابه. وهو أول من أغار على الفرس في الإسلام وقاد حملات عسكرية ضدهم محاولًا تحرير سواد العراق، فأمده أبو بكر بالجيش والعتاد ثم أرسل إليه خالد بن الوليد وعياض بن غنم رضي الله عنهما.

 

نسبه

اسمه: المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم بن سعد بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن افصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، الشيباني البكري. اشتهر بالمثنى بن حارثة الشيباني.

موطنه: العراق.

مولده: سنة 53 من الهجرة.

وفاته: في الحيرة سنة 14 من الهجرة.

 

إسلامه

أسلم المثنى بن حارثة الشيباني سنة 9 من الهجرة، حيث وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع قومه. ولما قرأ النبي عليهم قول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}، قال المثنى قد سمعت مقالتك، واستحسنت قولك، ولكن علينا عهد من كسرى لا نُحدِثُ حَدَثًا، ولا نُؤْوِي مُحْدِثًا، فإِن أَردتَ أَن ننصرك ونمنعك مما يلي بلاد العرب فعلنا. فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: “ما أسأتم إذ فصحتم بالصدق، إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه بجميع جوانبه”.

 

المثنى في عهد أبي بكر

بعد إسلام المثنى بن حارثة كان هو ورجاله يغيرون على ممتلكات فارس، فعلم أبو بكر الصديق بأمره. وقال عمر بن الخطاب “من هذا الذي تأتينا وقائعه قبل معرفة نسبه؟”. فقال قيس بن عاصم التميمي “أما إنه غير حامل الذكر، ولا مجهول النسب… ذلك المثنى بن حارثة الشيباني”.

وقدم الحارثة إلى المدينة المنورة في عهد أبي بكر وقال له “يا خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ابعثني على قومي؛ فإن فيهم إسلامًا؛ أقاتل بهم أهل فارس، وأكفيك أهْلَ ناحيتي من العدوّ”. أذن له أبو بكر فعاد الحارثة إلى العراق ونفذ غارات عدة على الفرس وسواد العراق. ثم أراد المدد من أبي بكر، فأرسل إليه أخيه مسعود بن حارثة، برسالة قال فيها “إن أمدَدْتني وسمعَتْ بذلك العرب أسرعوا إليّ؛ وأذلَّ الله المشركين”. فأشار عمر بن الخطاب على أبي بكر أن يرسل إليه خالد بن الوليد بعد انتهائه من حروب الردة. وبالفعل جهز أبو بكر جيشين وأرسلهم إلى العراق:

 جيش خالد بن الوليد

وكان في اليمامة، وبعد انتصاره أرسل إليه أبو بكر بغزو العراق من جنوبها الغربي. وأمره أن يدعوا الناس إلى الإسلام، فإن امتنعوا فرض عليهم الجزية، فإن امتنعوا قاتلهم. وأكد عليه أن يضم إليه المسلمين في طريقه، وألا يكره أحدًا على الانضمام له، وألا يأخذ في جيشه من ارتد حتى وإن عاد إلى الإسلام. وخرج جيش خالد بن الوليد إلى العراق في محرم وقيل رجب سنة 12 من الهجرة. ثم أرسل إليه أبو بكر سرايا وإمدادات لمساعداته.

الجيش الثاني

بقيادة عياض بن غنم، وكان موجود بين الحجاز والبصرة، فكتب إليه أبو بكر أن يدخل العراق من شمالها الشرقي. وأمره أن يبدأ بالمصيخ على حدود الشام، ويسير حتى يصل إلى جيش خالد بن الوليد.

ثم أرسل أبو بكر لخالد وعياض، بأن من يسبق منهما إلى الحيرة فهو أمير عليها. فقد كانت الحيرة بمثابة قلب العراق، وقريبة إلى المدائن عاصمة الفرس، ومهمة عسكريًا للقوات الإسلامية المتواجدة في الشام. وحشد المسلمون جيشًا من 12 ألف مسلم وتجمعوا في الأبلة، وقبل بدء الحرب قسم خالد الجيش لثلاث أقسام، وأمر كل فرقة بأن تسلك طريق، فجعل على المقدمة المثنى، وفرقة عليها عدي بن حاتم الطائي، ثم لحق هو بهما في الحضير.

وخاض الجيش الإسلامي وفيهم المثنى بن حارثة عددًا من الحروب ضد الفرس مثل ذات السلاسل والولجة وأمغشيا. وخلال فتح الحيرة حاصر المثنى قصر ابن بقيلة مع المسلمين.

 

المثنى في خلافة عمر بن الخطاب

نجح المثنى بن حارثة في الحفاظ على ما فتحه المسلمون وتحصن بالحيرة، لكنه لم يتجرأ على مهاجمة الفرس بعدد الجنود القليل الذي معه. لذلك توجه إلى المدينة المنورة كي يطلب المدد من أبو بكر، لكن وجده مريضًا. وبعد دفن أبي بكر، دعا عمر الناس للتطوع في جيش المثنى، لكن لم يستجب له أحد، فقد كان العرب يهابون الفرس. وظل يدعوهم ثلاثة أيام متتالية لكن دون جدوى، حتى تدخل المثنى وشرح للناس انتصارات المسلمون على الفرس، وأنهم في حالة ضعف بسبب صراعهم على العرش.

كان أبو عبيدة الثقفي أول من تطوع، ثم بدأ الناس يقتضون به حتى اجتمع 1000 رجل. سارع المثنى بالعودة إلى الحيرة، ثم لحق به الجيش بقيادة أبو عبيدة. ودارت عدة معارك بين الفرس والمسلمون مثل معركة النمارق ومعركة السقاطية وباقسياثا، وكان النصر فيها حليفًا للمسلمين.

وبعد هزيمة المسلمين في معركة الجسر في 23 شعبان سنة 13 من الهجرة، بدأ عمر بن الخطاب في حشد المقاتلين من جميع القبائل وعلى رأسهم المرتدين. جمع 4 آلاف مقاتل وأرسلهم إلى العراق، بينما كان جيش الفرس يتكون من 70 ألف جندي. قاد المثنى بن حارثة الجيش والتقى بالفرس في البويب، وتمكن من هزيمتهم وقتل أعداد كبيرة منهم. وأعاد المسلمون انتصاراتهم ولاحقوا فلول الفرس وانتشروا في سواد العراق مرة ثانية.

 

 

 

 

المصادر:

ابن الأثير: أسد الغابة في تمييز الصحابة.

البلاذري: فتوح البلدان.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

ابن حجر العسقلاني:  الإصابة في تمييز الصحابة.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات