في سابقة تاريخية لافتة، اعتنق القائد المغولي العظيم، زعيم القبيلة الذهبية، بركة خان الإسلام، ليكون أول زعيم من أبناء جنكيز خان يدخل في دين الإسلام، ويجعل منه دين دولة “القبيلة الذهبية”، وهي إحدى أسر المغول الكبرى، التي بسطت نفوذها على مساحات شاسعة تضم بلاد الروس وبلغار، والقوقاز، وشرقي أوروبا، وغربي سيبيريا.
منذ اعتناق بركة خان الإسلام، سار خلفاؤه على دربه، ودافعوا عن الدين الجديد بكل حزم، بل وصل الأمر إلى قتال أبناء عمومتهم من المغول غير المسلمين.
وبقيت دولة القبيلة الذهبية قوية موحدة مهابة الجانب حتى بدأت الخلافات الداخلية تمزق صفوفها، وبدأت بذور الفتنة تنمو مع خلافات شخصية قاتلة بين القادة.
في عام 1287م، اعتزل الزعيم منكو خان الحكم وتفرغ للعبادة، وخلفه ابن أخيه تلابوقا، الذي استمر في تعزيز الإسلام في الدولة، بدأت فصول سقوط القبيلة الذهبية في عام 1290م، عندما قاد تلابوقا مع القائد المخضرم نوقاي حملة على بلاد الشركس لنشر الإسلام، لكن الشتاء القارس اضطرهم إلى التراجع.
انفصل نوقاي بجيشه ووصل بسلام، بينما عانى تلابوقا وجيشه من البرد ونفاد الطعام، وهلك معظم الجنود، هنا اعتقد تلابوقا أن نوقاي خانه عمداً، فقرر الانتقام منه، من جانب أخر فطن نوقاي للمؤامرة، فأعد كمينا له واعتقلها وسلمه إلى عدوه اللدود طقطاي، الذي قتله مع إخوته عام 1291م، بتهمة اغتصاب الملك.
صعد طقطاي إلى العرش بدعم من نوقاي، لكن سرعان ما توترت العلاقة بينهما، كان طقطاي رافضاً لهيمنة نوقاي على شؤون الدولة، بينما التفت كثير من الأمراء حول نوقاي بسبب ظلم طقطاي، وعندما رفض نوقاي تسليمهم لطقطاي، أرسل له الأخير رمزا للحرب (محراث وتُراب)، وأعلن الحرب.
في المعركة الأولى عام 1298م، انتصر نوقاي، وتراجع طقطاي نحو نهر الدانوب، فغرق كثير من جنوده، لكن نوقاي لم يستغل انتصاره، واكتفى بالغنائم وتثبيت نفوذه في القرم.
لكن الانقسام طال نوقاي نفسه، فانحاز بعض أمرائه إلى طقطاي، وشكلوا قوة ضخمة دعمته في معركة حاسمة عام 1300م، انتهت بهزيمة نوقاي وقتله.
أدى هذا الصراع الداخلي إلى إنهاك القبيلة الذهبية وتمزيق وحدتها، فدخلت في طور الانحدار حتى زوالها لاحقا.
وما يدعو للتأمل: ماذا لو لم يضمر تلابوقا الغدر لنوقاي؟ هل كانت روسيا وشرق أوروبا ستدخل الإسلام مبكرا كما فعل السلاجقة والعثمانيون في الأناضول والبلقان؟ لقد ضاعت الفرصة بسبب صراعات السلطة الشخصية، رغم امتلاك القبيلة الذهبية كل المؤهلات لتكون قوة إسلامية عظمى في قلب أوروبا.
المصادر:
كتاب تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قازان وبلغار وملوك التتار، لـ الرمزي.
كتاب تاريخ مغول القبيلة الذهبية والهند، لـ محمد سهيل طقوش.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *