كانت معركة نهاوند من أهم معارك الفتح الإسلامي لبلاد فارس، فقد أنهت الوجود الفارسي في إيران. وبانتصار المسلمين انتهى عهد الدولة الساسانية التي ظلت في المنطقة لأكثر من 4 قرون. وعلى الرغم من أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان لا يرغب في تخطي حدود العراق، لكن ظل المسلمون يزحفون في اتجاه الشرق، وانتصروا على الفرس في كل المعارك، حتى قضوا عليهم تمامًا بعد فتح خراسان، وهروب كسرى إلى أراضي الترك.
أين وقعت معركة نهاوند؟
تقع نهاوند في بلاد فارس المعروفة بإيران حاليًا. ودارت المعركة بين الجيش الإسلامي والفارسي قرب هذه البلدة. وعندما لم ينتصر أي طرف على الآخر، تحصن الفرس بالمدينة وأغلقوا أبوابها، وكانت مدية حصينة فوق الجبال.
لماذا سميت معركة نهاوند بفتح الفتوح؟
عرفت معركة نهاوند بفتح الفتوح، لأنها كانت السبب في نهاية الفرس، فلم تقم لهم قائمة منذ ذاك اليوم. حيث انتهت الإمبراطورية الساسانية للأبد، وأصبحت الأراضي الإيرانية ضمن حدود الدولة الإسلامية. وحتى آخر كسرى للفرس هرب بعد فتح خراسان ولجأ إلى الترك وعاش بينهم حتى آخر حياته.
قائد معركة نهاوند
كان قائد المسلمين في معركة نهاوند الصحابي الجليل النعمان بن مقرب المزني، أمير قبيلة مزينة. وكانت قبيلته تسكن بالقرب من المدينة المنورة. بعد أن استشار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أصحابه في اختيار قائد لمعركة نهاوند، لم يجدوا من يتولى المهمة. لكن عمر رضي الله عنه قال “والله لأولين أمرهم رجلا ليكونن لأول الأسنة إذا لقيها غدًا، فقيل: من يا أمير المؤمنين فقال: النعمان بن مقرن المزني، فقالوا: هو لها والنعمان”. وكان النعمان متواجدًا بالكوفة، فخرج على رأس جيش مكونًا من 30 ألف مقاتل.
قائد الفرس بمعركة نهاوند
كان قائد الفرس في معركة نهاوند هو الفيرزان، حيث حشد الامبراطور جيشًا كبير وجعله على رأسه. وقيل أن جيش الفرس كان 100 ألف مقاتل، وقيل 120 ألف، وقيل 150 ألف مقاتل.
أسباب معركة نهاوند
بعد هزيمة الفرس في عقر دارهم بالأحواز، وقبلها خسارة أراضيهم في المنطقة العربية، تحركت المشاعر القومية الفارسية. لقد شعر الفرس بضياع هيبتهم، وأنه يجب عليهم التحرك من أجل استرداد أراضيهم. لذلك بدأوا في التواصل مع يزدجرد كسرى فارس، كي يثأر لهم، وأخبروه أنهم مستعدون لخوض الحرب إلى النهاية.
تشجع كسرى وقام بحشد جيش وهو في مرّو، فأتاه الناس من كل بقاع فارس، من خراسان وأصفهان وهمذان وطبرستان والسند وجرجان. لقد نجح في حشد عدد ضخم من الجنود، ذكر البعض أنه وصل إلى 150 ألف مقاتل. ثم عين على هذا الجيش ذا الحاجب مردان شاه، وأرسله إلى نهاوند.
الاستعداد للمعركة
علم والي ثغر حلوان وكان يدعى عبد الله بن قباذ، بأمر الفرس فأرسل لسعد بن أبي وقاص. ثم أرسل سعد إلى خليفة المؤمنين عمر بن الخطاب في المدينة المنورة، كي يستشيره بما يجب عليه فعله. لكن في هذا الوقت تحديدًا تم عزل سعد، بسبب وشايات أهل الكوفة ضده. وعين عمر مكانه صحابي كبير في السن كان اسمه عبد الله بن عتبان.
كانت سياسة سيدنا عمر دائمًا تنص على حماية الجيش من المخاطر وعدم الزج به إلى الجبال والمناطق الخطرة. لكن الوضع كان مختلف في نهاوند، فقد سار الفرس بالجيش في منطقة جبلية، ومع ذلك قرر عمر أن يسير الجنود المسلمين إليهم، حتى لا يستعيدوا قوتهم من جديد.
جعل عمر قيادة الجيش للصحابي النعمان بن مقرن وأرسله إلى نهاوند، بعد أن سلمه الخطة التي سيسير عليها. ثم عين 7 قادة خلفًا للنعمان إذا استشهد في القتال، حتى لا يترك المسلمين في وضع صعب. وكانت هذه الحركة تأسيًا بما فعله النبي في غزوة مؤتة، وتعينه ثلاثة قادة، زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن أبي رواحة.
بعد ذلك أرسل المدد إلى نهاوند، فخرج جيش بقيادة ابنه عبد الله بن عمر من المدينة المنورة. كما أرسل أبا موسى الأشعري بثلث قوات البصرة، وحذيفة بن اليمان بثلث قوات الكوفة.
خرج النعمان من السوس بالجيش القادم من الكوفة وكان عدده 30 ألفًا، وسار إلى نهاوند. في نفس الوقت كانت قوة إسلاميَة قد فتحت مدينة جُنديسابور بقيادة زرِّ بن عبد الله كُليب. كما نشر النعمان العيون والجواسيس أمامه، بهدف استكشاف المنطقة حتَى لا يؤخذ على غرَّة. ثم واصل الزحف إلى أسبيهذان وعسكر فيها قرب الجيش الفارسي، الذي وجده محصنًا بالخنادق.
أحداث نهاوند
بدأ الفرس الأمر بطلب التفاوض، فأرسلوا إلى النعمان يبعث إليهم رجلًا، فأرسل إليهم المغيرة بن شعبة. عرض الفرس على المسلمين الانسحاب من بلادهم مقابل المال، لكنهم لم يقبلوا بهذا العرض. فلم يكن هدف المسلمين المال، بل نشر الدين الإسلامي في أقصى بقاع الأرض.
بعد فشل المفاوضات، استعد الطرفان للحرب، ودارت بينهما معركة شرسة لمدة يومين. وعندما شعر الفرس بقرب انتصار المسلمين وتفوقهم، انسحبوا إلى المدينة وتحصنوا بها. لما رأى النعمان أن الفرس لن يخرجوا من المدينة، وأن قواته لا تستطيع الدخول إليهم، لجأ إلى حيلة ذكية. حيث عقد مجلسًا عسكريًا للتشاور، فقرروا اللجوء إلى خطة تجعل الفرس يخرجون من تحصيناتهم.
خصص النعمان قوة عسكرية، يكون عملها الكر والفر حتي تجعل الفرس يخرجون إليهم. وفي نفس الوقت يتخفى باقي الجيش في أماكن لا يراها العدو. وعندما يحصل التحام، تتظاهر هذه القوة بالخسارة وينسحبون حتى يأتي الفرس خلفهم، ومن ثم ينقض عليهم الجيش الإسلامي.
كان القعقاع بن عمرو على رأس القوة العسكرية، فنفذوا المهمة بنجاح. ثم دارت معركة ضارية لم يشهدها كلا الطرفين من قبل، واستمرت من منتصف النهار إلى الليل.
نتائج معركة نهاوند
خسر المسلمون في نهاية معركة نهاوند عددًا كبيرًا من القادة وأهم الأسماء البارزة في ذلك الوقت مثل، النعمان بن مقرن، وعمرو بن معد يكرب، وطليحة بن أسد.
رغم قتال الفرس بكل شجاعة لكنهم انهاروا تمامًا، وهرب قسم منهم ونجا بحياته، ثم استسلمت حامية نهاوند.
دخل المسلمون إلى نهاوند، وعقدوا الصلح مع أهلها مقابل الجزية. ثم أرسلوا إلى عمر بن الخطاب يبشروه بالفتح.
بعد انتصار نهاوند سار نعيم بن مقرن والقعقاع بن عمرو إلى همذان، فصالحهم حاكمها على الجزية. ثم أرسل عمر جيشًا آخر إلى أصبهان وفتح المدينة بعد عقد الصلح أيضًا. كما فتح أبو موسى الأشعري قاشان وقم.
تجمع أهل الرّيّ وأذربيجان لقتال المسلمين، فتوجه إليهم نعيم وانتصر عليهم. وفتح المسلمون الرّيّ وأذربيجان وجرجان وطبرستان. ثم انتشرت الجيوش الإسلامية في إقليم فارس وفتحوا منطقة وراء الأخرى بعد معارك صغيرة.
زحف المسلمون في اتجاه خراسان، وكان يزدجرد قد هرب إليها واستقر في مرو. فاضطر الاستعانة بالترك وملك الصين، وبالفعل قدموا له المدد. ودخل في قتال مع المسلمين بقيادة الأحنف بن قيس استمر لأيام دون أن يحقق أي طرف منهم النصر. وفي النهاية هرب يزدجرد إلى مناطق الترك، وعاش بينهم لبقية حياته، وفتح المسلمون خراسان بعد أن صالحوا أهلها مقابل الجزية.
المصادر:
البلاذري: فتوح البلدان.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
الطبري: تاريخ الطبري.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
ابن كثير: البداية والنهاية.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق