في عام 1463م تولى أبو الحسن علي حكم مملكة غرناطة، إلا أن انغماسه في الملذات وزواجه من فتاة نصرانية تُدعى ثريا أثار حفيظة زوجته الأولى عائشة الحرة، التي اعتُقلت مع ابنها محمد الملقب بأبي عبد الله الصغير في قصر الحمراء. غير أن عائشة، مدفوعة بالغيرة والرغبة في الانتقام، هربت مع ابنها ودبرت مؤامرة انتهت بخلع زوجها، الذي فر إلى أخيه الزغل حاكم مالقة.
أُعلن أبو عبد الله الصغير ملكًا على غرناطة رغم افتقاده للخبرة، وسعى لإثبات نفسه بمهاجمة الأراضي الإسبانية، إلا أن حملته انتهت بأسره على يد الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإيزابيلا. تدخلت والدته لإطلاق سراحه، فأرسلت الوزير ابن كماشة للتفاوض. وأسفرت المفاوضات عن اتفاق مذل: تعهد أبو عبد الله بالولاء لإسبانيا، ودفع جزية سنوية، ومساعدتها على استعادة غرناطة من عمه الزغل مقابل استعادة عرشه.
وبالفعل، أُفرج عن أبي عبد الله، واستعاد عرش غرناطة، بينما واصل الإسبان غزوهم، فاستولوا على بلش مالقة ومالقة نفسها سنة 1487م، بعد مقاومة شرسة انتهت باسترقاق السكان. ثم واصلوا التوسع فاستولوا على وادي آش سنة 1489م، ما اضطر الزغل للفرار إلى تلمسان بالجزائر، تاركا غرناطة تواجه مصيرها وحدها.
بحلول عام 1490م، وجهت إسبانيا إنذارا أخيرا إلى أبي عبد الله بالاستسلام، لكنه رفض، فبدأ حصار غرناطة في 30 أبريل 1491م واستمر سبعة أشهر، شهدت خلالها المدينة مجاعة قاسية دفعت السكان لأكل الخيول والكلاب. ورغم النداءات للدول الإسلامية، فإن المغرب وتونس تقاعستا، بينما أرسل المماليك بعثة دبلوماسية هددت الإسبان بإجراءات ضد المسيحيين في مصر والشام، لكنها لم تثمر عن شيء.
أمام انعدام الدعم واليأس الداخلي، بدأت مفاوضات الاستسلام، التي انتهت بتوقيع معاهدة في 25 نوفمبر 1491م، نصت على تسليم المدينة قبل 25 يناير 1492م، وضمنت 27 مادة تحافظ على حقوق المسلمين، بما في ذلك حريتهم الدينية، وعدم مصادرة ممتلكاتهم، واحترام مساجدهم وعلمائهم، وعدم إجبارهم على التنصر. وذُيلت المعاهدة بتوقيعات وضمانات ملكية وقانونية.
وفي اليوم ذاته، وُقعت معاهدة سرية منحت أبا عبد الله وأسرته ملكية دائمة لمنطقة البشرات، ومنحة مالية قدرها 30 ألف جنيه قشتالي. وبسبب غضب الشعب وخوفًا من التمرد، سلّم أبو عبد الله غرناطة في 2 يناير 1492م، في مشهد حزين سلّم فيه الوزير ابن كماشة مفاتيح قصر الحمراء، فدخل الكاردينال مندوسة، ورفع الصليب، ورتّل صلاة نصرانية فوق برج الحمراء.
بعد التسليم، انتقل أبو عبد الله إلى أندرش، ثم إلى فاس بالمغرب، حيث توفي عام 1533م عن عمر ناهز 75 عاما، بعدما كتب فصلًا أخيرًا من مأساة الأندلس، حين انتهى الحكم الإسلامي الذي دام قرونا بتسليم عاصمته الكبرى للأعداء.
المصادر:
كتاب الإحاطة في أخبار غرناطة، لـ لسان الدين بن الخطيب.
كتاب نفح الطيب من غصن الاندلس، لـ المقري التلمساني.
كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، لـ أحمد بن خالد الناصري.
دولة الإسلام في الأندلس، لـ محمد عبد الله عنان.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *